للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا أَبا مُحمدٍ، ماتَ مُحمدُ بنُ إِدريسَ، فقالَ ابنُ عُيينةَ: إنْ كانَ قد ماتَ مُحمدُ ابنُ إِدريسَ فقد ماتَ أَفضلُ أَهلِ زَمانِه (١).

قالَ الرَّازيُّ : إنَّ ثَناءَ العُلماءِ على الإمامِ الشافِعيِّ أَكثرُ مِنْ أنْ يُحيطَ به الحَصرُ، ونحنُ نَذكرُ السَّببَ في مَحبَّتِهم له وثَنائِهم عليه، فنَقولُ: الناسُ كلُّهم كانوا قبلَ زَمانِ الشافِعيِّ فَريقَينِ: أَصحابَ الحَديثِ وأَصحابَ الرَّأيِ.

أما أَصحابُ الحَديثِ فكانوا حافِظينَ لأَخبارِ رَسولِ اللهِ إلا أنَّهم كانوا عاجِزينَ عن النَّظرِ والجَدلِ، وكلَّما أَوردَ عليهم أحدُ أَصحابِ الرَّأيِ سُؤالًا أو إِشكالًا بَقَوا على ما في أَيدِيهم عاجِزينَ مُتحيِّرينَ.

أما أَصحابُ الرَّأيِ فكانوا أَصحابَ الجَدلِ والنَّظرِ إلا أنَّهم كانوا فارِغينَ من مَعرفةِ الآثارِ والسُّننِ.

وأما الشافِعيُّ فإنه كانَ عارِفًا بسُنةِ النَّبيِّ مُحيطًا بقَوانينِها، وكانَ عارِفًا بآدابِ النَّظرِ والجَدلِ وقَويًّا فيه، وكانَ فَصيحَ اللِّسانِ قادرًا على قَهرِ الخُصومِ، فأخَذَ في نُصرةِ أَحاديثِ رَسولِ اللهِ وكانَ مَنْ أَوردَ عليه سُؤالًا أو إِشكالًا أَجابَ عنه بأَجوبةٍ شافِيةٍ كامِلةٍ فانقَطعَ بسَببِه استِيلاءُ أَهلِ الرَّأيِ على أَصحابِ الحَديثِ، وسقَطَ فِقهُهم، وتَخلَّصَ بسَببِه أَصحابُ الحَديثِ من شُبهاتِ أَصحابِ الرَّأيِ؛ فلهذا السَّببِ


(١) «حلية الأولياء» (٩/ ٩٥٦) وذكَرَه الرَّازيُّ في «مناقب الشافعي» (٥٨/ ٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>