للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُوضِّحُه الوَجهُ السَّادِسُ: وهو أنَّ الذين مَنَعوا هذه الإجارةَ لَمَّا رَأوْا إجارةَ الظِّئرِ ثابِتةً بالنَّصِّ والإجماعِ، والمَقصودُ بالعَقدِ إنَّما هو اللَّبنُ، وهو عَينٌ تَمَحَّلوا لِجَوازِها أمرًا يَعلَمونَ هُمْ والمُرضِعةُ والمُستَأجِرُ بُطلانَه، فقالوا: العَقدُ إنَّما وقعَ على وَضعِها الطِّفلَ في حِجرِها، وإلقامِه ثَدْيَها فقَطْ، واللَّبنُ يَدخُلُ تَبَعًا، واللَّهُ يَعلَمُ، والعُقَلاءُ قاطِبةً أنَّ الأمرَ لَيسَ كذلك، وأنَّ وَضعَ الطِّفلِ في حِجْرِها لَيسَ مَقصودًا أصْلًا، ولا وَردَ عليه عَقدُ الإجارةِ، لا عُرفًا ولا حَقيقةً، ولا شَرعًا، ولَو أرضَعَتِ الطِّفلَ وهو في حِجرِ غَيرِها، أو في مَهدِه، لَاستَحقَّتِ الأُجرةَ، ولَو كانَ المَقصودُ إلقامَ الثَّديِ المُجرَّدَ لَاستُؤجِرَ له كلُّ امرَأةٍ لَها ثَدْيٌ ولَو لَم يكُنْ لَها لَبنٌ، فهذا هو القياسُ الفاسِدُ حَقًّا، والفِقهُ البارِدُ؛ فكَيفَ يُقالُ: إنَّ إجارةَ الظِّئرِ على خِلافِ القِياسِ، ويُدَّعَى أنَّ هذا هو القياسُ الصَّحيحُ.

الوَجهُ السَّابِعُ: أنَّ النَّبيَّ نَدَبَ إلى مَنيحةِ العَنزِ والشَّاةِ؛ لِلَبنِها، وحَضَّ على ذلك، وذكرَ ثَوابَ فاعِلِه، ومَعلومٌ أنَّ هذا لَيسَ ببَيعٍ ولا هِبةٍ؛ فإنَّ هِبةَ المَعدومِ المَجهولِ لا تَصحُّ؛ وإنَّما هو عاريةُ الشَّاةِ لِلِانتِفاعِ بلَبنِها، كَما يُعيرُه الدَّابَّةَ لِرُكوبِها؛ فهذا إباحةٌ لِلِانتِفاعِ بدَرِّها، وكِلاهُما في الشَّرعِ واحِدٌ، وما جازَ أنْ يُستَوفَى بالعاريةِ جازَ أنْ يُستَوفَى بالإجارةِ؛ فإنَّ مَورِدَهُما واحِدٌ، وإنَّما يَختَلِفانِ في التَّبرُّعِ بهَذا، والمُعاوَضةِ على الآخَرِ.

والوَجهُ الثَّامِنُ: ما رَواه حَربٌ الكَرْمانيُّ في مَسائِلِه: حَدَّثَنا سَعيدُ بنُ مَنصورٍ حَدَّثَنا عَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ عن هِشامِ بنِ عُروةَ عن أبيه أنَّ أُسَيدَ بنَ حُضَيرٍ تُوُفِّيَ وعليه سِتَّةُ آلافِ دِرهمٍ دَينًا، فدَعا عُمرُ بنُ الخطَّابِ غُرَماءَه، فقَبَّلَهم

<<  <  ج: ص:  >  >>