للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخَرُ: سُكوتُ المُستَأجِرِ: كَما لَو طَلَب المُؤجِّرُ مِنْ المُستَأجِرِ الزِّيادةَ عَلى الأُجرةِ السَّابِقة، ولَم يَقُلِ المُستَأجِرُ شَيئًا، أيْ لَم يَقُلْ: إنَّني لا أرضَى بالزِّيادةِ، ولَم يَخرُجْ مِنْ الحانوتِ، واستَمَرَّ ساكِنًا إلى ما بعدَ المدَّةِ التي يَتمكَّنُ فيها مِنْ نَقلِ أمتِعَتِه وأشيائِه، يَلزَمُه إعطاءُ ما زِيدَ على البَدَلِ اعتِبارًا مِنْ ذلك الشَّهرِ؛ لأنَّ سُكوتَ المُستَأجِرِ، وقَد كانَ مِنْ الواجِبِ عليه أنْ يَرُدَّ الزِّيادةَ إذا كانَ غيرَ راضٍ بها، دَليلٌ على رِضائِه بها.

وَلَو طَلَب المُؤجِّرُ مِنْ المُستَأجِرِ بعدَ مدَّةٍ سِتِّينَ قِرشًا أُجرةً، وقَد كانَتْ مِنْ قَبلُ خَمسينَ، فقالَ له المُستَأجِرُ: إنَّني لَم أسمَعْ طَلَبكَ الزِّيادةَ، حتى أكونَ راضيًا بها؛ فإنْ كانَ المُستَأجِرُ أطرَشَ صُدِّقَ كَلامُه، بحَسَبِ الظَّاهِرِ، وإلَّا فلا.

مِثالٌ آخَرُ لِسُكوتِ المُؤجِّرِ: إذا قالَ صاحِبُ الحانوتِ في المِثالِ المَذكورِ لِلمُستَأجِرِ: إذا كُنْتَ تَرضَى بمِئةِ قِرشٍ فيها، وإلَّا فاترُكِ الحانوتَ؛ فقالَ المُستَأجِرُ: إنَّني أرضَى بثَمانينَ قِرشًا، وسَكَتَ المُؤجِّرُ، وبَقيَ المُستَأجِرُ ساكِنًا، يَلزَمُه اعتِبارًا مِنْ ذلك الشَّهرِ ثَمانونَ قِرشًا.

أمَّا إذا أصَرَّ الطَّرفانِ على كَلامِهِما في هذا المِثالِ، واستَمَرَّ المُستَأجِرُ ساكِنًا في الحانوتِ، فسُكْناه بدُونِ تَسميةِ أجْرٍ، فعليه أجْرُ المِثْلِ؛ إذْ بانقِضاءِ مدَّةِ الإجارةِ قد انفَسخَ العَقدُ الأولُ، ولَم يُعقَدْ عَقدٌ ثانٍ بإصرارِهِما، فبَقيَ الحانوتُ في يَدِ المُستَأجِرِ بلا عَقدٍ، وهو مُعَدٌّ لِلِاستِغلالِ، فلَزِمَ أجْرُ المِثلِ، وكانَ المُستَأجِرُ كَأنَّه قد سَكَنَ الحانوتَ بنِيَّةِ دَفْعِ الأُجرةِ (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ١٧٤)، و «البحر الرائق» (٧/ ٢٩٧)، و «مجمع الأنهر» (٣/ ٥١٢)، و «تنقيح الفتاوى الحامدية» (٥/ ٤٩٦)، و «الهندية» (٤/ ٤٠٩)، و «درر الحكام» (١/ ٤٠٤، ٤٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>