وقالَ المالِكيَّةُ: مَنْ ساقَى شَخصًا حائِطَه، أو أكراه دارَه، ثم وَجَدَه سارِقًا يُخشَى منه في الأولِ على الثَّمرةِ أوِ الزَّرعِ، وفي الثَّاني على الأبوابِ مثلًا؛ فإنَّ العُقدةَ في المُساقاةِ وفي الكِراءِ لا تَنفَسِخُ لِأجلِ ذلك، وعَلَى ربِّ الحائِطِ أو ربِّ المَنزِلِ أنْ يَتحَفَّظَ مِنه؛ فإنْ لَم يَقدِرْ على التحَفُّظِ منه فإنَّه يُكرِي عليه الحاكِمُ المَنزِلَ ويُساقِي عليه الحائِطَ.
ثم إنْ كانَ الجُزءُ المُتفَقُ على العامِلِ الثَّاني أقَلَّ مِنْ الأولِ أو أكثَرَ؛ فالزِّيادةُ لَه، والنَّقصُ عليه.
وَإنَّما لَم تُفسَخِ المُساقاةُ إذا كانَ العامِلُ لِصًّا أو ظالِمًا ولَم يُمنَعْ، ولَكِنْ يُتحَفَّظُ مِنه؛ لأنَّ عَقدَ المُساقاةِ قد لَزِمَ، وكَونُ العامِلِ سارِقًا فِسْقٌ، لَم يُوجِبْ فَسخَ العَقدِ، كَما لَو فَسَقَ بغَيرِ السَّرِقةِ، ولأنَّ ذلك لا يُوجِبُ تَعذُّرَ السَّقْيِ، ولا مَنْعَ القيامِ على الثَّمرةِ، وإنَّما يَقتَضي ضَرَرًا ولا يَمنَعُ استِيفاءَ المَنافِعِ فلا يُفسَخُ لِأجْلِه السَّقيُ، أصْلُه إذا كانَ ظالِمًا وانتَصَفَ مِنْ مُعامَلَتِه، ولأنَّ مَنْ أكْرَى رَجُلًا دارًا فوَجَدَه يُنَقِّبُ ويَسرِقُ لَم يَجُزْ له فَسْخُ الكِراءِ، وقيلَ لَه: تحَفَّظْ مِنه، فكذلك المُساقاةُ (١).
وقالَ الشافِعيَّةُ: إذا ادَّعَى المالِكُ على العامِلِ السَّرِقةَ والخِيانةَ في الثَّمرِ أو السَّعَفِ، لا يُقبَلُ، حتى يُبيِّنَ قَدْرَ ما خانَ فيه، ويُحَرِّرَ الدَّعوَى، فإذا حرَّرَها وأنكَرَ العامِلُ؛ فالقولُ قولُ العامِلِ مع يَمينِه.
(١) «الإشراف» (٣/ ١٨٧) رقم (١٠٣٤)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٣٣٢)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٥٤٩)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٤٥٤)، و «مواهب الجليل» (٧/ ٣٧٦)، و «شرح مختصر خليل» (٦/ ٢٣٨).