لا يَجوزُ أنْ يَجعلَ الرَّجلُ دَينًا له على رَجلٍ مُضارَبةً، وممَّن حَفِظنا ذلك عنه عَطاءٌ والحَكمُ وحَمَّادٌ ومالِكٌ والثَّوريُّ وإسحاقُ وأبو ثَورٍ وأصحابُ الرَّأيِ، وبه قال الشافِعيُّ؛ لأنَّ المالَ الذي في يَدِ مَنْ عليه الدَّينُ له؛ وإنَّما يَصيرُ لِغَريمِه بقَبضِه، ولَم يُوجَدِ القَبضُ ههنا.
وقال بَعضُ الحَنابِلةِ: تَصحُّ المُضاربةُ؛ لأنَّه إذا اشتَرى شَيئًا لِلمُضارَبةِ فقد اشتَراه بإذنِ رَبِّ المالِ، ودفَع الدَّينَ إلى مَنْ أذِنَ له في دَفعِه إليه، فتُبرأُ ذِمَّتُه منه، ويَصيرُ كما لو دفَع إليه عَرضًا وقال:«بِعْه وضارِبْ بثَمَنِه».
ثم اختلَف الفُقهاءُ فيما لو عمِل العامِلُ بالدَّينِ الذي عليه؛ فإنِ اشتَرى هذا المُضارِبُ وباعَ فلَه رِبحُه وعليه وَضيعَتُه، والدَّينُ في ذِمَّتِه بحالٍ عندَ أبي حَنيفةَ والمالِكيَّةِ والحَنابِلةِ.
وقال أبو يُوسُفَ ومُحمدٌ: ما اشتَرى وباعَ يَكونُ لِرَبِّ المالِ له رِبحُه وعليه وَضيعتُه.
بِناءً على أنَّ مَنْ وَكَّل رَجلًا يَشتَري له بالدَّينِ الذي في ذِمَّتِه لَم يَصحَّ عندَ أبي حَنيفةَ، حتى لو اشتَرى لا يُبرأُ عما في ذِمَّتِه عندَه، وإذا لَم يَصحَّ الأمْرُ بالشِّراءِ بما في الذِّمَّةِ لَم تَصحَّ إضافةُ المُضاربةِ إلى ما في الذِّمَّةِ.
وعندَهما يَصحُّ التَّوكيلُ، ولكنْ لا تَصحُّ المُضاربةُ؛ لأنَّ الشِّراءَ يَقعُ لِلمُوكِّلِ فتَصيرُ المُضاربةُ بعدَ ذلك مُضاربةً بالعُروضِ؛ لأنَّه يَصيرُ في التَّقديرِ كأنَّه وَكَّله بشِراءِ العُروضِ، ثم دفَعه إليه مُضاربةً، فتَصيرُ مُضاربةً بالعُروضِ، فلا تَصحُّ.