للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واتَّفق فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ -وكذا الظاهِريَّةُ- على أنَّ المُضاربةَ لا تَصحُّ بالعُروضِ، ولو كان العَرضُ مِثليًّا مِثلَ بُرٍّ وحَريرٍ؛ لأنَّ قيمَتَه ربَّما زادت قبلَ بَيعِه، فيُشارِكُه الآخَرُ في نَماءِ العَينِ التي هي مِلكُه، ولأنَّ القِراضَ في الأصلِ غَررٌ؛ لأنَّه إجارةٌ مَجهولةٌ، إذْ لا يَدري العامِلُ كم يَربَحُ في المالِ، ولا إنْ كان يَربَحُ أو لا، إلا أنَّ الشَّرعَ جَوَّزه لِلاضطِرارِ إليه، وحاجةِ الناسِ إلى التَّعاملِ عليه، فيَجِبُ ألَّا يَجوزَ منه إلا مِقدارُ ما جَوَّزه الشَّرعُ، وأنْ يَكونَ ما عَداه مَمنوعًا بالأصلِ.

وأيضًا فإنَّ القِراضَ بالعُروضِ لا يَخلو مِنْ أربَعةِ أوْجُهٍ:

إمَّا أنْ يَجعَلا رأسَ مالِ القِراضِ العَرضَ بعَينِه، أو ثَمنَه الذي يَبيعُه به، أو قيمَتَه يَومَ العَقدِ، أو قيمَتَه يَومَ التَّفاضُلِ؛ لأنَّ مَعرِفةَ رأسِ المالِ ومِقدارِه لا بُدَّ منها في القِراضِ؛ لِيَعرِفَ العامِلُ علامَ يَعمَلُ؛ فإنْ كان العَرضُ نَفْسُه هو رأسَ المالِ فذلك غَررٌ؛ لأنَّه قد يأخُذُ السِّلعةَ وقيمَتُها ألفُ دِينارٍ ويَردُّها وقيمَتُها مِئةُ دينارٍ، فيَذهَبُ العامِلُ ببَعضِ رأسِ المالِ، أو يأخُذُها وقيمَتُها مِئةُ دِينارٍ فيَرُدُّها وهي تُساوي ألفَ دِينارٍ فيَذهَبُ رَبُّ المالِ بأُجرةِ العامِلِ.

وإنْ كان الثَّمنُ الذي يَبيعُه به هو رأسَ المالِ فقد اشتَرطَ رَبُّ المالِ مَنفعةً لِنَفْسِه على العامِلِ فيما تَحمَّل عنه مِنْ مُؤنةِ بَيعِها وما يَكفيه مِنْ ذلك.

إنْ كانت قيمَتُها يَومَ يَدفَعُها إليه هي رأسَ المالِ كان رَبُّ المالِ قد باعَ منه العَرضَ بما قَوَّماه به على أنَّه إنْ باعَه بأقَلَّ مِنْ ذلك جبَره مِنْ رِبحِه، وإنْ كان باعَه بأكثَرَ مِنْ ذلك كان له نِصفُ الفَضلِ، فذلك مِنَ الغَررِ البَيِّنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>