للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أيضًا: القِراضُ كان في الجاهِليَّةِ، وكانت قُريشٌ أهلَ تِجارةٍ لا مَعاشَ لهم مِنْ غَيرِها، وفيهم الشَّيخُ الكَبيرُ الذي لا يُطيقُ السَّفرَ، والمَرأةُ والصَّغيرُ واليَتيمُ، فكانوا وذَوو الشُّغلِ والمَرضِ يُعطونَ المالَ مُضاربةً لِمَنْ يَتَّجِرُ به بجُزءٍ مُسمًّى مِنَ الرِّبحِ، فأقَرَّ رَسولُ اللهِ ذلك في الإسلامِ، وعَمِل به المُسلمونَ عَملًا مُتيَقَّنًا لا خِلافَ فيه، ولو وُجِد فيه خِلافٌ ما التُفِت إليه؛ لأنَّه نَقلُ الجَميعِ بعدَ الجَميعِ إلى زَمنِ رَسولِ اللهِ وعَلِمه بذلك، وقد خرَج في قِراضٍ بمالِ خَديجةَ (١).

وقال الإمامُ الجُوَينيُّ : وهذه المُعاملةُ -أي: القِراضُ- صَحيحةٌ باتِّفاقِ العُلماءِ في الجُملةِ … ثم قال: ولا يَجوزُ أنْ يَكونَ لِلإجماعِ مُستنَدٌ يَحتاجُ الناظِرُ إلى الغَوصِ فيه، وتَدقيقُ النَّظرِ في دَرْكِه إلى هذا الحَدِّ، ولا بُدَّ أنْ يَكونَ لِلإجماعِ صُدورٌ عن أصلٍ، ويَبعُدُ في مُطَّرِدِ العُرفِ خَفاؤُه، فلا وَجهَ فيه إلا القَطعُ بأنَّهم ألِفوا هذه المُعاملةَ في عَصرِ رَسولِ اللهِ شائِعةً بينَ المُتعامِلينَ وتَحقَّقوا التَّقريرَ عليها شَرعًا، وكان شُيوعُ ذلك في الخَلقِ أظهَرَ مِنْ أنْ يُحتاجَ فيه إلى نَقلِ أقاصيصَ، فكان الإجماعُ عن مِثلِ هذا (٢).

وقال ابنُ القَيِّمِ : وأجمَع المُسلِمونَ على جَوازِ المُضاربةِ، وأنَّها دَفعُ مالِه لِمَنْ يَعمَلُ عليه بجُزءٍ مِنْ رِبحِه، فكُلُّ عَينٍ تُنمَّى فائِدتُها مِنَ


(١) «المحلى» (٨/ ٢٤٧).
(٢) «نهاية المطلب» (٧/ ٤٣٧، ٤٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>