للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد بالَغ المالِكيَّةُ في إبطالِ أخْذِ الجُعلِ على الكَفالةِ، فذكَروا أنَّ الرَّجلَيْن إذا اتَّفقا على أنْ يَضمنَ كلٌّ منهما دَينَ الآخَرِ ودخَلا على هذا الشَّرطِ لَم يَصحَّ؛ إذ يُعتبَرُ ذلك كالجُعلِ، واستَثنَوْا مِنْ ذلك بَعضَ الحالاتِ (١).

ومِن خِلالِ هذه النُّقولِ يَتَّضحُ لنا أنَّ أخذَ الأُجرةِ على الكَفالةِ لا يَجوزُ؛ إذْ هي دائِرةٌ بينَ التَّبرُّعِ والإحسانِ، أو بينَ القَرضِ في حالةِ الوَفاءِ مِنَ الكَفيلِ، وكِلا الأمرَيْن لا يَصحُّ أخْذُ الأُجرةِ عليه.

وقد اعتبَر بَعضُ العُلماءِ أخْذَ الأُجرةِ على الكَفالةِ رَشوةً.

قال الإمامُ السَّرخَسيُّ : ولو كفَل رَجلٌ عن رَجلٍ بمالٍ على أنْ يَجعلَ له جُعلًا فالجُعلُ باطِلٌ، هكذا رُويَ عن إبراهيمَ ؛ وهذا لأنَّه رَشوةٌ والرَّشوةُ حَرامٌ؛ فإنَّ الطالِبَ ليس يَستوجِبُ بهذه الكَفالةَ زيادةَ مالٍ، فلا يَجوزُ أنْ يَجبَ عليه عِوضٌ بمُقابَلتِه، ولكنَّ الضَّمانَ جائِزٌ إذا لَم يَشترِطِ الجُعلَ فيه، وإنْ كان الجُعلُ مَشروطًا فيه فالضَّمانُ باطِلٌ أيضًا؛ لأنَّ الكَفيلَ مُلتزمٌ، والالتِزامُ لا يَكونُ إلا برِضاه.

ألَا تَرى أنَّه لو كان مُكرَهًا على الكَفالةِ لَم يَلزمْه شَيءٌ؛ فإذا شرَط الجُعلَ في الكَفالةِ فهو ما رَضيَ بالالتِزامِ إذا لَم يُسلِّمْ له الجُعلَ، وإذا لَم يَشترِطْه في الكَفالةِ فهو راضٍ بالالتِزامِ مُطلَقًا فيَلزمُه (٢).


(١) ويُنظر: «حاشية الدسوقي» (٣/ ٢٩٩)، و «الشرح الصغير» (٤/ ٥٨٣).
(٢) «المبسوط» للسرخسي (٢٠/ ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>