للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِنَ الفُروقِ بينَ الكَفالةِ والضَّمانِ أنَّ الكَفالةَ تَكونُ بالنَّفْسِ، والضَّمانَ يَكونُ بالمالِ، ألا تَرى أنَّكَ تَقولُ: كَفَلتُ زَيدًا، وتُريدُ: التَزمتُ تَسليمَه، وضَمِنتُ الأرضَ إذا التَزمتُ أداءَ الأجرِ عنها، ولا يُقالُ: كَفَلتُ الأرضَ؛ لأنَّ عَينَها لا تَغيبُ فتَحتاجُ إلى إحضارِها، فالضَّمانُ التِزامُ شَيءٍ عن المَضمونِ، والكَفالةُ التِزامُ نَفْسِ المَكفولِ به، ومنه قَولُكَ: كَفَلتُ الغُلامَ، إذا ضَمَمتَه إليكَ لِتَعولَه، ولا تَقولُ: ضَمِنتُه؛ لأنَّكَ إذا طُولِبتَ به لَزِمك تَسليمُه، ولا يَلزَمُك تَسليمُ شَيءٍ، وفي القُرآنِ: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ [آل عمران: ٣٧]، ولَم يَقُلْ ضمِنها.

ومِن الدَّليلِ على أنَّ الضَّمانَ يَكونُ لِلمالِ، والكَفالةَ لِلنَّفْسِ أنَّ الإنسانَ يَجوزُ أنْ يَضمنَ عمَّن لا يَعرِفُه، ولا يَجوزُ أنْ يَكفُلَ مَنْ لا يَعرِفُه؛ لأنَّه إذا لم يَعرِفْه لم يَتمكَّنْ مِنْ تَسليمِه، ويَصِحُّ أنْ يُؤدِّيَ عنه، وإنْ لم يَعرِفْه (١).

ومِنَ الفُقهاءِ مَنْ يُطلِقُ الضَّمانَ، ويُريدُ به جَميعَ أقسامِه، ثم ما يَختصُّ به أحَدُ أقسامِه مِنَ الأحكامِ يَذكُرُه بعدَ ذلك، إمَّا بلَفظِ الضَّمانِ، وبدُونِ عُنوانٍ مُستقِلٍّ، كما تَجِدُه مَثلًا في «مُختصَرِ خَليلٍ» لِلمالِكيَّةِ، وإمَّا بلَفظِ كَفالةِ البَدَنِ، وبعُنوانٍ مُستقِلٍّ، كما تَجِدُه في «المِنهاجِ» و «رَوضةِ الطالِبينَ» لِلشافِعيَّةِ، و «المُغني» و «الرَّوضِ المُربِعِ» و «شَرحِ مُنتَهى الإراداتِ» لِلحنابِلةِ، حيث بَوَّبا بابًا لِلضَّمانِ، ثم أتْبَعوه بفَصلٍ عن كَفالةِ البَدَنِ يَختصُّ بأحكامِها.


(١) «الفروق اللغوية» (١/ ٤٥٣) لأبي هلال العسكري.

<<  <  ج: ص:  >  >>