قال في العُتبيَّةِ عن ابنِ القاسِمِ: مَنْ أمَرَ رَجُلًا أنْ يَأخُذَ مِنْ رَجُلٍ كذا، وأمَرَ الآخَرَ بالدَّفعِ فذلك ليس بحَوالةٍ، قال: وإنَّما الحَوالةُ أنْ يَقولَ: «أحَلتُكَ بحَقِّكَ على هذا»، أو:«أبرَأُ إليكَ منه»، وكذا إذا قال:«خُذْ مِنْ هذا حَقَّكَ وأنا بَريءٌ مِنْ دَينِكَ».
قال ابنُ رُشدٍ ﵀: لأنَّ الحَوالةَ بَيعٌ مِنَ البُيوعِ يَنتقِلُ بها الدَّينُ عن ذِمَّةِ المُحيلِ إلى ذِمَّةِ المُحالِ عليه، فلا يَكونُ ذلك إلا بيَقينٍ، وهو التَّصريحُ بلَفظِ الحَوالةِ أو ما يَنوبُ مَنابَه، مِثلَ أنْ يَقولَ له: خُذْ مِنْ هذا حَقَّكَ وأنا بَريءٌ مِنْ دَينِكَ وما أشبَهَ ذلك.
وقال الدَّرديرُ ﵀: قال ابنُ عَرَفةَ: وهي -أي: الصِّيغةُ- ما دَلَّ على تَركِ المُحالِ دَينَه في ذِمَّةِ المُحيلِ بمِثلِه في ذِمَّةِ المُحالِ عليه. انتهى.
وهو شامِلٌ لِنَحوِ:«خُذْ حَقَّكَ مِنْ فُلانٍ وأنا بَريءٌ منه»، ونَحوِ ذلك، فلا تُحصَرُ صِيغَتُها في لَفظٍ مُشتَقٍّ مِنَ الحَوالةِ، وهذا هو المُعتمَدُ خِلافًا لِظاهِرِ المُصنِّفِ.
وقال الدُّسوقيُّ ﵀: قَولُه: «خِلافًا لِظاهِرِ المُصنِّفِ»، فيه أنَّ ظاهِرَ المُصنِّفِ لا يَقتَضي انحِصارَ صِيغَتِها في اللَّفظِ المُشتَقِّ مِنَ الحَوالةِ.
ثم قال: تَنبيهٌ: تَكفي الإشارةُ الدَّالَّةُ على الحَوالةِ مِنَ الأخرَسِ، لا مِنَ الناطِقِ، خِلافًا لِما يُوهِمُه كَلامُ ابنِ عَرَفةَ مِنْ كَيفيَّتِها مُطلَقًا في تَعريفِه الصِّيغةَ، كذا قَرَّرَ شَيخُنا (١).
(١) «حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير» (٤/ ٥٣١)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٧/ ٤٣٠)، و «مواهب الجليل» (٧/ ١٩)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٢٠٢)، و «حاشية الرهوني» (٥/ ٤٠١) والصَّحيحُ -واللهُ أعلمُ- مِنْ عبارةِ الدُّسوقيِّ أن تَكونَ «فيه أنَّ ظاهِرَ المُصنفِ يَقتَضي انحِصارَ صِيغتِها في اللَّفظِ المُشتقِّ مِنَ الحَوالةِ».