والأصلُ في التَّمليكِ ألَّا يَحتمِلَ التَّعليقَ بالشَّرطِ، وإنْ لَم تَكُنْ له بَيِّنةٌ وأرادَ استِحلافَه فهو على وَجهَيْنِ؛ إنْ كان ذلك الحَلِفُ عندَ غيرِ القاضي فله أنْ يَستَحلِفَه عندَ القاضي مَرَّةً أُخرى؛ لأنَّ تلك اليَمينَ غيرُ مُعتَبرةٍ؛ لأنَّها غيرُ واجِبةٍ ولا تَنقَطِعُ بها خُصومةٌ، فلَم يَكُنْ مُعتَدًّا بها.
وإنْ كان عندَ القاضي لَم يَستَحلِفْه ثانيةً؛ لأنَّ الحَلِفَ عندَ القاضي مُعتَدٌّ به فقد استَوفى المُدَّعِي حَقَّه مَرةً فلا يَجبُ الإيفاءُ ثانيةً.
ولو تَصالَحا على أنْ يَحلِفَ المُدَّعَى عليه، فإذا حلَف فالمالُ واجِبٌ على المُدَّعَى عليه، فهو باطِلٌ؛ لأنَّ هذا تَعليقُ وُجوبِ المالِ بالشَّرطِ، وهو باطِلٌ؛ لِكَونِه قِمارًا.
ولو أودَعَ إنسانًا وَديعةً ثم طَلَبَها منه فقال المُودِعُ:«هَلَكتْ»، أو قال:«رَدَدتُها»، وكَذَّبَه المُودِعُ وقال:«استَهلَكتَها»، فتَصالَحا على شَيءٍ فالصُّلحُ باطِلٌ عندَ أبي يُوسُفَ، وعندَ مُحمدٍ صَحيحٌ.
وَجهُ قَولِ مُحمدٍ أنَّ هذا صُلحٌ وَقَع عن دَعوى صَحيحةٍ ويَمينٍ مُتوجِّهةٍ، فيَصحُّ كما في سائِرِ المَواضِعِ.
وَجهُ قَولِ أبي يُوسُفَ أنَّ المُدَّعِي مُناقِضٌ في هذه الدَّعوى؛ لأنَّ المُودَعَ أمينُ المالِكِ، وقَولُ الأمينِ قَولُ المُؤتَمَنِ، فكان إخبارُه بالرَّدِّ والهَلاكِ إقرارًا مِنَ المُودَعِ، فكان مُناقِضًا في دَعوى الاستِهلاكِ، والتَّناقُضُ يَمنَعُ صِحَّةَ الدَّعوى، إلا أنَّه يُستَحلَفُ، لكنْ لا لِدَفعِ الدَّعوى؛ لأنَّها مُندَفِعةٌ لِبُطلانِها، بل لِلتُّهمةِ، وإذا لَم تَصحَّ الدَّعوى لا يَصحُّ الصُّلحُ.