للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

: أنَّ رَجُلًا (١) ذكَر لِلنَّبيِّ أنَّه يُخدَعُ في البُيوعِ، فقالَ: «إذا بايَعتَ فقُلْ: لا خِلابةَ (٢)» (٣)، وفي رِوايةٍ: «إذا بايَعتَ فقُلْ: لا خِلابةَ، ثم أنتَ بالخِيارِ في كلِّ سِلعةٍ ابتَعتَها ثَلاثَ لَيالٍ، فإنْ رَضيتَ فأمسِكْ، وإنْ سَخِطتَ فاردُدْ» (٤).

فلو كانَ الغَبنُ يُثبِتُ الخيارَ لَأمَرَه النَّبيُّ بالفَسخِ مِنْ غيرِ خيارٍ، بل أمَرَه وأرشَدَه إلى شَرطِ الخيارِ لِيَتَدارَكَ غَبنَه عندَ الحاجةِ، ولو ثبَت لَمَا قدَره بالثَّلاثِ، وإنَّما قالَ له : «قُلْ: لا خِلابةَ»، أي: لا خَديعةَ، ولا يَلزَمُ مِنْ هذا ثُبوتُ الخيارِ، ولأنَّه لو ثبَت أو أثبَتَ له الخيارَ كانَت قَضيةَ عَينٍ لا عُمومَ لَها، فلا يَنفُذُ مِنه إلى غيرِه إلَّا بدَليلٍ.

ولأنَّ المَبيعَ سَليمٌ ولَم يُوجَدْ مِنْ جِهةِ البائِعِ تَدليسٌ، وإنَّما فَرَّطَ المُشتَري في تَركِ الِاستِظهارِ فلَم يَجُزْ له الرَّدُّ.

ولأنَّ نُقصانَ قيمةِ السِّلعةِ مع سَلامةِ عَينِها ومَنفعَتِها، لا يَمنَعُ لُزومَ العَقدِ، كما لو غُبِنَ بالثُّلُثِ، وكما لو لَم يَكُنْ مُسترسِلًا.

قالَ الشافِعيَّةُ: إنِ اشتَرَى زُجاجةً بثَمَنٍ كَثيرٍ وهو يَتوهَّمُها جَوهَرةً فلا خيارَ لَه، ولا نَظَرَ إلى ما يَلحَقُه مِنْ الغَبنِ؛ لأنَّ التَّقصيرَ مِنه حيثُ لَم يُراجِعْ أهلَ الخِبرةِ (٥).


(١) هُوَ حِبّانُ بنُ مُنْقِذ.
(٢) أَيْ: لَا خَدِيعَةَ.
(٣) رواه البخاري (٢١١٧)، ومسلم (١٥٣٣).
(٤) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه ابن ماجه (٢٣٥٥).
(٥) «روضة الطالبين» (٣/ ١٢٤)، ويُنظر: و «البحر الرائق» (٦/ ١٢٦)، و «عمدة القارئ» (١١/ ٢٣٣، ٢٣٤)، و «المعونة» (٢/ ٦٩، ٧٠)، و «الإشراف» (٢/ ٤٤٠، ٤٤٣) رقم (٧٦٣)، و «مواهب الجليل» (٦/ ٣٢٥، ٣٣١)، و «شرح مختصر خليل» (٥/ ١٥٢)، و «الذخيرة» (٥/ ١١٢، ١١٣)، و «منح الجليل» (٥/ ٢١٨، ٢١٩)، و «الشرح الكبير» للرافعي (٤/ ٢٣٦، ٢٣٩)، و «المهذب» (١/ ٢٨٧)، و «شرح مسلم» (١٠/ ١٧٧)، و «أسنى المطالب» (٢/ ٤٢)، و «البيان» (٥/ ٢٨٤، ٢٨٥)، و «تنوير الحوالك» (٢/ ٨٧)، و «المغني» (٤/ ١٧، ١٨)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٩١)، و «المبدع» (٤/ ٧٧)، و «الإنصاف» (٤/ ٣٩٦، ٣٩٧)، و «كشاف القناع» (٣/ ٢٤٤، ٢٤٥)، و «مطالب أولي النهى» (٣/ ١٠٠)، و «الإفصاح» (١/ ٣٥٦، ٣٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>