للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُهبَطُ بها إليهم؛ لأنَّ في ذلك فَسادًا عليهم، فعلى هذا تُعرَضُ السِّلعةُ في التَّلَقِّي على أهلِ الحاضِرةِ في السُّوقِ بالثَّمنِ الذي اشتَراها به؛ لأنَّ لَهم حَقًّا فيها؛ فإنْ قَبِلوها وإلَّا رُدَّتْ عليه، ولا تُرَدُّ على بائِعِها؛ لِلحَقِّ الذي لَهم في ذلك (١).

أمَّا الشافِعيَّةُ؛ فقالَ منهم الماوَرديُّ : فاختلَف أصحابُنا في المَعنَى الذي لِأجْلِه نهَى النَّبيُّ عن ذلك، ومنَع منه؛ فقالَ جُمهورُهم: إنَّ المَعنَى فيه أنَّ قَومًا بالمَدينةِ كانوا يَتلَقَّوْنَ الرُّكبانَ إذا وَرَدتْ بالأمتِعةِ فيُخبِرونَهم برُخصِ الأمتِعةِ وكَسادِها، ويَبتاعونَها مِنهم بتلك الأسعارِ؛ فإذا ورَد أربابُ الأمتِعةِ المَدينةَ شاهَدوا زيادةَ الأسعارِ وكَذِبَ مَنْ تَلَقَّاهم بالأخبارِ؛ ويُؤَدِّي ذلك إلى انقِطاعِ الرُّكبانِ وعُدولِهم بالأمتِعةِ إلى غيرِها مِنْ البُلدانِ، فنهَى النَّبيُّ عن تَلَقِّيهم؛ نَظَرًا لَهم، ولِمَا في ذلك مِنْ الخَديعةِ المُجانِبةِ لِلدِّينِ، كما نهَى أنْ يَبيعَ حاضِرٌ لِبادٍ؛ نَظَرًا لِأهلِ البَلَدِ؛ لِتَعُمَّ المَصلَحةُ بالفَريقَيْنِ؛ بالنَّظَرِ لَهما.

وقالَ آخَرونَ: بَلِ المَعنَى في النَّهيِ عن تَلَقِّيهم أنَّ مَنْ كانَ يَبتاعُها مِنهم يَحمِلُها إلى مَنزِلِه، ويَتربَّصُ بها زِيادةَ السِّعرِ؛ فلا يَتَّسِعُ على أهلِ المَدينةِ، ولا يَنالونَ نَقصًا مِنْ رُخصِها، فنهَى النَّبيُّ عن تَلَقِّي الرُّكبانِ لِلبَيعِ حتى تَرِدَ أمتِعَتُهم السُّوقَ، فتَجتَمِعَ فيه وتَرخُصَ الأسعارُ بكَثرَتِها، فيَنالَ أهلُ المَدينةِ نَفعًا برُخصِها؛ فيَكونَ هذا النَّهيُ نَظَرًا لِأهلِ المَدينةِ


(١) «التمهيد» (١٨/ ١٨٧)، و «بداية المجتهد» (٢/ ١٢٥)، و «البيان والتحصيل» (٩/ ٣٨٠، ٣٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>