«فلا يَحِلُّ له أنْ يَأخُذَ مِنه شيئًا»، وذكَر عِلَّةَ الحُكمِ، وهي قَولُه ﷺ:«أرأيتَ إنْ مَنعَ اللَّهُ الثَّمرةً … » إلى آخِرِه، وهذا الحُكمُ نَصٌّ لا يَحتَمِلُ التَّأويلَ، والتَّعليلُ وَصفٌ مُناسِبٌ لا يَقبَلُ الإلغاءَ ولا المُعارَضةَ، وقِياسُ الأُصولِ لا يَقتَضي غيرَ ذلك، ولِهَذا لو تَمكَّنَ مِنْ القَبضِ المُعتادِ في وَقتِه ثم أخَّرَه؛ لِتَفريطٍ منه، أو لِانتِظارِ غَلاءِ السِّعرِ، كانَ التَّلَفُ مِنْ ضَمانِه، ولَم تُوضَعْ عنه الجائِحةُ.
وأمَّا مُعارَضةُ هذه السُّنةِ بحَديثِ الذي أُصيبَ في ثِمارٍ ابتاعَها فمِن بابِ رَدِّ المُحكَمِ بالمُتَشابِه؛ فإنَّه ليسَ فيه أنَّه أُصيبَ فيها بجائِحةٍ، فليسَ في الحَديثِ أنَّها كانَتْ جائِحةً عامَّةً، بَلْ لَعَلَّه أُصيبَ فيها بانحِطاطِ سِعرِها، وإنْ قُدِّرَ أنَّ المُصيبةَ كانَتْ جائِحةً فليسَ في الحَديثِ أنَّها كانَتْ جائِحةً عامَّةً، بَلْ لَعَلَّها جائِحةٌ خاصَّةٌ، كسَرِقةِ اللُّصوصِ التي يُمكِنُ الِاحتِرازُ مِنها، ومِثلُ هذا لا يَكونُ جائِحةً تُسقِطُ الثَّمنَ عن المُشتَرِي، بخِلافِ نَهبِ الجُيوشِ والتَّلَفِ بآفةٍ سَماويَّةٍ، وإنْ قُدِّرَ أنَّ الجائِحةَ عامَّةٌ، فليسَ في الحَديثِ ما يُبيِّنُ أنَّ التَّلَفَ لَم يَكُنْ بتَفريطِه في التَّأخيرِ، ولو قُدِّرَ أنَّ التَّلَفَ لَم يَكُنْ بتَفريطِه فليسَ فيه أنَّه طَلَبُ الفَسخِ، وأنْ تُوضَعَ عنه الجائِحةُ، بَلْ لَعَلَّه رَضيَ بالمَبيعِ ولَم يَطلُبِ الوَضعَ، والحَقُّ في ذلك له إنْ شاءَ طَلَبَه، وإنْ شاءَ ترَكه، فأينَ في الحَديثِ أنَّه طَلَبَ ذلك، وأنَّ النَّبيَّ ﷺ منَع مِنه؟ ولا يَتمُّ الدَّليلُ إلَّا بثُبوتِ المُقدِّمَتَيْنِ، فكَيفَ يُعارَضُ نَصُّ قَولِه ﷺ الصَّحيحِ الصَّريحِ المُحكَمِ الذي لا يَحتمِلُ غيرَ مَعنًى واحِدٍ، وهو نَصٌّ فيه بهذا