للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الزَّيلَعيُّ : والذِّمِّيُّ كالمُسلِمِ في بَيعِ غيرِ الخَمرِ، والخِنزيرِ … أمَّا في الخَمرِ والخِنزيرِ فإنَّ عَقدَهم فيهما كعَقدِ المُسلِمِ على العَصيرِ، والشاةِ، فيَجوزُ فيهما ما جازَ فيهما مِنه مِنْ السَّلَمِ وغيرِه، ولا يَجوزُ ما لا يَجوزُ؛ لأنَّهما أموالٌ نَفيسةٌ عندَهم، فيُلحَقانِ بنَظيرِهما مِنْ أموالِنا؛ وهذا لأنَّا أُمِرْنا بأنْ نَترُكَهم وما يَعتَقِدونَ، وما بَذَلوا الجِزيةَ إلَّا لِذلك، ولِهذا قالَ عمرُ في الخَمرِ: «وَلُّوهم بَيعَها وخُذوا العُشرَ مِنْ أثمانِها»، والصَّحابةُ مُتوافِرونَ، ولَم يُعرَفْ له مُخالِفٌ، فصارَ إجماعًا (١).

القَولُ الثَّاني: وهو قَولُ جُمهورِ الفُقهاءِ المالِكيَّةِ والشافِعيَّةِ والحَنابِلةِ أنَّه يَحرُمُ بَيعُها أيضًا بينَ أهلِ الذِّمَّةِ.

قالَ الإمامُ الشافِعيُّ في «الأُمِّ»: تَبطُلُ بينَهمُ البُيوعُ التي تَبطُلُ بينَ المُسلِمينَ كُلُّها؛ فإذا مَضَتْ واستُهلِكَتْ لَم نُبطِلْها، وقالَ: فإنْ جاءَ رَجُلانِ مِنهم قد تَبايَعا خَمرًا ولَم يَتقابَضاها أبطَلْنا البَيعَ، وإنْ تُقابِضاها لَم نَرُدَّه؛ لأنَّه قد مَضَى (٢).

وقالَ الإمامُ النَّوويُّ : ذَكَرْنا أنَّ بَيعَ الخَمرِ باطِلٌ، سَواءٌ باعَها مُسلِمٌ أو ذِمِّيٌّ، أو تَبايَعَها ذِمِّيَّانِ، أو وكَل المُسلِمُ ذِمِّيًّا في شِرائِها لَه؛ فكلُّه باطِلٌ بلا خِلافٍ عندَنا، وقالَ أبو حَنيفةَ: يَجوزُ أنْ يُوكِّلَ المُسلِمُ ذِمِّيًّا في بَيعِها وشِرائِها، وهذا فاسِدٌ مُنابِذٌ لِلأحاديثِ الصَّحيحةِ في النَّهيِ عن بَيعِ الخَمرِ.


(١) «تبيين الحقائق» (٤/ ١٢٦).
(٢) «الأم» للشافعي (٤/ ٢١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>