ومُقتَضى أُصولِ الشَّرعِ، ولا تَتِمُّ مَصلَحةُ النَّاسِ إلَّا به، أو بالحِيَلِ، والحِيَلُ باطِلةٌ في الشَّرعِ، وغايةُ ما في ذلك جَعْلُ الزِّيادةِ في مُقابَلةِ الصِّياغةِ المُباحةِ المُتقوَّمةِ بالأثمانِ في الغُصوبِ وغيرِها، وإذا كانَ أربابُ الحِيَلِ يُجوِّزونَ بَيعَ عَشَرةٍ بخَمسةَ عشَرَ في خِرقةٍ تُساوي فِلسًا، ويَقولونَ: الخَمسةُ في مُقابَلةِ الخِرقةِ، فكَيفَ يُنكِرونَ بَيعَ الحِليةِ بوَزنِها وزِيادةٍ تُساوي الصِّناعةَ؟! وكَيفَ تَأتي الشَّريعةُ الكامِلةُ الفاضِلةُ التي بَهَرتِ العُقولَ حِكمةً وعَدلًا ورَحمةً وجَلالةً بإباحةِ هذا وتَحريمِ ذلك؟! وهل هذا إلَّا عَكسٌ لِلمَعقولِ والفِطَرِ والمَصلَحةِ؟! والَّذي يَقضي مِنه العَجَبُ مُبالَغَتُهم في رِبا الفَضلِ أعظَمُ مُبالَغةً حتى مَنَعوا بَيعَ رِطلِ زَيتٍ برِطلِ زَيتٍ، وحَرَّموا بَيعَ الكِشكِ بالسِّمسِمِ، وبَيعَ النِّشا بالحِنطةِ، وبَيعَ الخَلِّ بالزَّبيبِ، ونَحوِ ذلك، وحَرَّموا بَيعَ مُّدِّ حِنطةٍ ودِرهَمٍ بمُدٍّ ودِرهَمٍ، وجاؤوا إلى رِبا النَّسيئةِ ففَتَحوا لِلتَّحيُّلِ عليه كُلَّ بابٍ، فتارةً بالعَيِّنةِ، وتارةً بالمُحلِّلِ، وتارةً بالشَّرطِ المُتقدِّمِ المُتَواطَأِ عليه، ثم يُطلِقونَ العَقدَ مِنْ غيرِ اشتِراطٍ، وقد عَلِمَ اللَّهُ ﷾ والكِرامُ الكاتِبونَ والمُتعاقِدانِ ومَن حضَر أنَّه عَقدُ رِبًا مَقصودُه ورُوحُه بَيعُ خَمسةَ عشَرَ مُؤجَّلةً بعَشَرةٍ نَقدًا، ليسَ إلّا، ودُخولُ السِّلعةِ كخُروجِها، حَرفٌ جاءَ لِمَعنًى في غيرِه، فهَلَّا فَعَلوا ههُنا كما فَعَلوا في مَسألةِ مُدِّ عَجوةٍ ودِرهَمٍ بمُدٍّ ودِرهَمٍ، وقالوا: قد يُجعَلُ وَسيلةً إلى رِبا الفَضلِ بأنْ يَكونَ المُدُّ في أحَدِ الجانِبَيْنِ يُساوي بَعضَ مُدٍّ في الجانِبِ الآخَرِ، فيَقَعَ التَّفاضُلُ، فيا لَلعَجَبِ! كَيفَ حُرِّمتْ هذه الذَّريعةُ إلى رِبا الفَضلِ، وأُبيحَتْ تلك الذَّرائِعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute