وتَوضَّأ النَّبيُّ ﷺ مَرةً مَرةً فغسَلَ رِجلَيه وقالَ: «هذا وُضوءُ مَنْ لا يَقبلُ اللهُ له صَلاةً إلا به» (١).
فقَولُه: «وَيلٌ للأَعقابِ من النَّارِ» وَعيدٌ لا يَجوزُ أنْ يُستحَقَّ إلا بتَركِ الفَرضِ، فهذا يُوجبُ استِيعابَ الرِّجلِ بالطَّهارةِ، ويُبطِلُ قَولَ مَنْ يُجيزُ الاقتِصارَ على بَعضٍ، وقَولُه ﷺ: «أَسبِغوا الوُضوءَ»، وقَولُه بعدَ غَسلِ الرِّجلَينِ: «هذا وُضوءُ مَنْ لا يَقبلُ اللهُ له صَلاةً إلا به»، يُوجبُ استِيعابَهما بالغُسلِ؛ لأنَّ الوُضوءَ اسمٌ للغَسلِ، يَقتَضي إِجراءَ الماءِ على المَوضعِ، والمَسحُ لا يَقتَضي ذلك.
وفي الخَبرِ الآخَرِ أنَّ اللهَ تَعالى لا يَقبلُ الصَّلاةَ إلا بغَسلِهما.
وأيضًا: لو كانَ المَسحُ جائِزًا لمَا أخلَاه ﷺ من بَيانِه؛ إذْ كانَ مُرادُ اللهِ تَعالى في المَسحِ كهو في الغَسلِ، فكان يَجبُ أنْ يَكونَ مَسحُه في وَزنِ غَسلِه، فلمَّا لم يَرِدِ المَسحُ حسَبَ وُرودِه في الغَسلِ ثبَتَ أنَّ المَسحَ غيرُ مُرادٍ.
وأيضًا: فإنَّ القِراءَتينِ في إحداهُما الغَسلُ وفي الأُخرى المَسحُ لاحتِمالِهما للمَعنَيينِ، فلو ورَدَت آيتانِ إحداهُما تُوجِبُ الغَسلَ والأُخرى المَسحَ، لمَا جازَ تَركُ الغَسلِ إلى المَسحِ؛ لأنَّ الغَسلَ زيادةُ فِعلٍ، وقد اقتَضاه الأمرُ بالغَسلِ، فكانَ يَكونُ حينَئذٍ يَجبُ استِعمالُهما على أعَمِّهما حُكمًا وأكثَرِهما فائِدةً وهو الغَسلُ؛ لأنَّه يَأتي على المَسحِ، والمَسحُ لا يَنتظِمُ الغَسلَ.
وأيضًا: لمَّا حدَّدَ الرِّجلَينِ بقَولِه تَعالى: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ كما قالَ: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ دَلَّ على استِيعابِ الجَميعِ كما دَلَّ ذِكرُ الأيدي إلى المَرافِقِ على استِيعابِهما بالغَسلِ.
(١) رواه ابن ماجه (٤٢٠)، وضعفه الحافظ في «الفتح» (١/ ٢٣٣)، و «الدراية» (١/ ٢٥)، وضعفه الألباني في «الإرداء» (٨٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute