للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُها: (وهو الذي اعتمَدَه الشافِعيُّ) حَديثُ عُثمانَ أنَّ النَّبيَّ : «تَوضَّأ ثَلاثًا ثَلاثًا» رَواه مُسلمٌ (١). ووَجهُ الدِّلالةِ منه قَولُه: تَوضَّأ، يَشملُ المَسحَ والغَسلَ، وقد منَعَ البَيهقيُّ وغيرُه الدِّلالةَ من هذا؛ لأنَّها رِوايةٌ مُطلقةٌ وجاءَت الرِّواياتُ الثابِتةُ في الصَّحيحِ المُفسِّرةُ بأنَّ غَسلَ الأَعضاءِ يَكونُ ثَلاثًا ثَلاثًا، وأنَّ مَسحَ الرأسِ يَكونُ مَرةً، فصرَّحوا بالثَّلاثِ في غيرِ الرأسِ، وقالوا في الرأسِ: ومسَحَ برأسِه، ولم يَذكُروا عَددًا، ثم قالوا بعدَه: ثم غسَلَ رِجلَيه ثَلاثًا ثَلاثًا، وجاءَت في رِواياتٍ في الصَّحيحِ: «ثم غسَلَ يَدَيه ثَلاثًا، ثم مسَحَ برأسِه مَرةً، ثم غسَلَ رِجلَيه ثَلاثًا ثَلاثًا»، فلم يَبقَ فيه دِلالةٌ.

الحَديثُ الثاني: «عن عُثمانَ أنَّه تَوضَّأ فمسَحَ على رأسِه ثَلاثًا، وقالَ: رأيتُ رَسولَ اللهِ تَوضَّأ هكذا» (٢). رَواه أبو داودَ بإِسنادٍ حَسنٍ، وقد ذكَر أيضًا الشَّيخُ أبو عَمرِو بنُ الصَّلاحِ أنَّه حَديثٌ حَسنٌ، وربَّما


(١) رواه مسلم (٢٣٠).
(٢) رواه أبو داود (١٠٧، ١١٠)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (١/ ٦٣)، وقالَ الشَّيخُ الألبانِيُّ في صَحيحِ أبي داودَ (٩٨): حَسنٌ صَحيحٌ، وقالَ في تَمامِ المِنةِ (٩١) قد صَحَّ من حَديثِ عُثمانَ أنَّ النَّبيَّ مسَحَ رأسَه ثَلاثًا، رَواه أبو داودَ بسنَدَين حَسنَينِ. وله إِسنادٌ ثالِثٌ حَسنٌ أيضًا، وقد تكلَّمتُ عن هذه الأسانيدِ بشَيءٍ من التَّفصيلِ في «صَحيحِ أبي داودَ» رقم (٩٥، ٩٨)، وقد قالَ الحافِظُ في «الفتح»: وقد رَوى أبو داودَ من وَجهَين صحَّحَ أحدَهما ابنُ خُزيمةَ وغيرُه في حَديثِ عُثمانَ تَثليثَ مَسحِ الرأسِ، والزِّيادةُ من الثِّقةِ مَقبولةٌ، وذكَرَ في التَّلخيصِ أنَّ ابنَ الجَوزيِّ مالَ في (كَشفِ المُشكلِ) إلى تَصحيحِ التَّكرارِ.
قُلتُ: وهو الحَقُّ؛ لأنَّ رِوايةَ المَرةِ الواحِدةِ -وإنْ كثُرَت- لا تُعارِضُ رِوايةَ التَّثليثِ؛ إذِ الكَلامُ في أنَّه سُنةٌ، ومن شأنِها أنْ تُفعلَ أحيانًا، وهو اختِيارُ الصَّنعانِيِّ في سُبلِ السَّلامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>