والعِبرةُ في التَّخَلُّلِ في الغائِبِ بما يقعُ مِنه عَقِبَ عِلمِه أو ظَنِّه بوُقوعِ البَيعِ له، كما هو ظاهِرٌ بسُكوتِ مُريدِ الجَوابِ، أو كَلامِ مَنْ انقَضى لَفظُه، بحيثُ يُشعِرُ بالإعراضِ، وإنْ كانَ لِمَصلَحةٍ ولِشائِبةِ التَّعليقِ أوِ الجَعالةِ في الخُلعِ اغتُفِرَ فيه اليَسيرِ مُطلَقًا، ولو أجنَبِيًّا، ولَم يَشترِطْ غيرُ الشافِعيَّةِ الفَورَ في القَبولِ، بَلْ صرَّح الحَنابِلةُ بأنَّه لا يَضُرُّ التَّراخي هُنا بينَ الإيجابِ والقَبولِ؛ لأنَّ التَّراخيَ مع غَيبةِ المُشتَرِي لا يَدلُّ على إعراضِه عن الإيجابِ.
قالَ البُهوتيُّ ﵀: وإنْ كانَ المُشتَرِي غائبًا عن المَجلِسِ فكاتَبَه البائِعُ أو راسَلَهُ: إنِّي بِعتُكَ داري بكَذا، أو: إنِّي بِعتُ فُلانًا، ونَسَبَه بما يُميِّزُه، داري بكذا، فلمَّا بلَغه، أي: المُشتَرِي، الخَبَرُ قبلَ البَيعَ، صَحَّ العَقدُ؛ لأنَّ التَّراخيَ مع غَيبةِ المُشتَرِي لا يَدلُّ على إعراضِه عن الإيجابِ، بخِلافِ ما لو كانَ حاضِرًا، ففرَّق المُصنِّفُ في تَراخي القَبولِ عن الإيجابِ بينَ ما إذا كانَ المُشتَرِي حاضِرًا، وما إذا كانَ غائِبًا، وهذا يُوافِقُ رِوايةَ أبي طالِبٍ في النِّكاحِ، قالَ في رَجُلٍ يَمشي إليه قَومٌ، فقالوا: زَوِّجْ فُلانًا، فقالَ: قد زَوَّجتُه على ألْفٍ، فرَجَعوا إلى الزَّوجِ فأخبَروه، فقالَ: قد قَبِلتُ، هل يَكونُ هذا نِكاحًا؟ قالَ: نَعَمْ.
قالَ الشَّيخُ التَّقيُّ: ويَجوزُ أنْ يُقالَ: إنْ كانَ العاقِدُ الآخَرُ حاضِرًا اعتُبِرَ قَبولُه، وإنْ كانَ غائِبًا جازَ تَراخي القَبولِ عن المَجلِسِ، كما قُلْنا في وِلايةِ