للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - اشتَرطَ الشافِعيَّةُ ألَّا يَطولَ الفَصلُ بينَ الإيجابِ والقَبولِ، ولو بكِتابةٍ أو إشارةِ أخرَسَ بما يُشعِرُ عُرفًا بالإعراضِ عن القَبولِ، وهو ما يُسَمَّى باتِّحادِ مَجلِسِ العَقدِ، فلو أوجَبَ البائِعُ البَيعَ ثم حصَل سُكوتٌ طَويلٌ أو كَلامٌ أجنبيٌّ عن العَقدِ، ولا صِلةَ له به، ولو قصُر الزَّمَنُ، ثم قبلَ المُشتَرِي، لَم يَصحَّ العَقدُ؛ لأنَّ طُولَ الفَصلِ يُخرِجُ الثَّانيَ عن أنْ يَكونَ جَوابًا عن الأوَّلِ، فلوِ استَمَرَّ الحَديثُ عن البَيعِ دارَ حَولَه ثم قبلَ بَعدُ، صَحَّ العَقدُ، وإنْ طالَ الفَصلُ.

وَأمَّا الحَنفيَّةُ والحَنابِلةُ فقالوا: يَمتَدُّ حَقُّه في القَبولِ أوِ الرَّدِّ إلى آخِرِ المَجلِسِ؛ لِلحاجةِ إلى التَّفكُّرِ والتَّرَوِّي، والمَجلِسُ جامِعٌ لِلمُتفرِّقاتِ فعُدَّتْ ساعاتُه ساعةً واحِدةً؛ دَفعًا لِلعُسرِ، وتَحقيقًا لِليُسرِ.

فَإنْ تَراخَى أحَدُهُما عن الآخَرِ: أي: القَبولُ عن الإيجابِ، أو عَكسُه، صَحَّ المُتقدِّمُ مِنهُما، ولَم يُلْغُ ما دام المُتبايِعانِ في المَجلِسِ، ولَم يَتَشاغَلا بما يَقطَعُه عُرفًا؛ لأنَّ حالةَ المَجلِسِ كَحالةِ العَقدِ، بدَليلِ أنَّه يُكتَفَى بالقَبضِ فيه لِما يُعتبَرُ قَبضُه، وإلَّا بأنْ تَفرَّقا قبلَ الإتيانِ بما بَقيَ مِنهُما، أو تَشاغَلا بما يَقطَعُه عُرفًا، فلا يَنعقِدُ البَيعُ؛ لأنَّ ذلك إعراضٌ عن العَقدِ أشبَهَ ما لو صَرَّحا بالرَّدِّ.

قالَ البابَرتيُّ : ولأنَّ في إبطالِ الإيجابِ قبلَ انقِضاءِ المَجلِسِ عُسرًا بالمُشتَرِي، وفي إبقائِه فيما وراءَ المَجلِسِ عُسرًا بالبائِعِ، وفي التَّوَقُّفِ بالمَجلِسِ يُسرًا بهما جَميعًا، والمَجلِسَ جامِعٌ لِلمُتفرِّقاتِ، جُعِلَتْ ساعاتُه ساعةً واحِدةً؛ دَفعًا لِلعُسرِ وتَحقيقًا لِليُسرِ (١).


(١) «العناية شرح الهداية» (١/ ٥٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>