للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيلَ: سُمِّيت عُمرةً لِجوازِها في العُمرِ كلِّه، وسُمُّوا عُمَّارَ البَيتِ لمُداوَمتِهم الاعتِمارَ، ولأنَّه لمَّا كان جميعُ السَّنةِ وقتًا للعُمرةِ، دلَّ على تَكرارِها، وجوازِ فِعلِها مِرارًا كالنَّوافلِ في الصَّلاةِ والصِّيامِ، وبهذا المَعنى فارقَت الحَجَّ؛ لأنَّ للحَجِّ وقتًا يَفوتُ الحَجُّ بفَواتِه، وهو عَرفةُ، فافتَرقا من هذا الوَجهِ (١).

وقال ابنُ عبدِ البرِّ في «الاستِذكارِ» (٢): وأمَّا قولُ مالكٍ في هذا البابِ فلا أرى لِأحَدٍ أنْ يَعتمرَ في السَّنةِ مِرارًا، فقد قاله غيرُه.

وإنْ كان جُمهورُ العُلماءِ على إباحةِ العُمرةِ في كلِّ السَّنةِ، لأنَّها ليسَ لها عندَ الجميعِ وقتٌ مَعلومٌ، ولا وقتٌ مَمنوعٌ أنْ تُقامَ فيه إلا من بعدِ طَوافِ الحَجِّ بالبَيتِ أو آخرِه في الطَّوافِ أو عندَ طَوافِ القُدومِ إلى أنْ يُتمَّ حجَّه، وما عَدا هذا الوقتَ فجائزٌ عَملُ العُمرةِ فيه العامَ كلَّه.

إلا أنَّ من أهلِ العِلمِ مَنْ استحَبَّ ألَّا يَزيدَ في الشهرِ على عُمرةٍ، ومنهم مَنْ استحَبَّ ألَّا يَعتمرَ المُعتمِرُ في السَّنةِ إلا مَرةً واحِدةً، كما قال مالكٌ؛ لأنَّ رَسولَ اللهِ لم يَجمَعْ عُمرتَين في عامٍ.

والجُمهورُ على جوازِ الاستِكثارِ منها في اليومِ واللَّيلةِ، لأنَّه عَملُ برٍّ وخَيرٍ فلا يَجبُ الامتِناعُ منه إلا بدَليلٍ، ولا دَليلَ أمنَعُ منه، بل الدَّليلُ يَدلُّ عليه بقولِ اللهِ ﷿: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾ [الحج: ٧٧].


(١) «الحاوي الكبير» (٤/ ٣١، ٣٣).
(٢) (٤/ ١١٢، ١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>