للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابنُ قُدامةَ: فمَن دفَع من جَمعٍ قبلَ نصفِ اللَّيلِ ولم يَعدْ في اللَّيلِ فعليه دَمٌ، فإنْ عادَ فلا دَمَ عليه كالذي دفَع من عَرفةَ نَهارًا، ومن لم يُوافِقْ مُزدَلفةَ إلا في النصفِ الأخيرِ من اللَّيلِ فلا شيءَ عليه؛ لأنَّه لم يُدرِكْ جُزءًا من النصفِ الأولِ، فلم يَتعلَّقْ به حُكمُه، كمَن أدرَك اللَّيلَ بعَرفاتٍ دونَ النَّهارِ، والمُستحبُّ الاقتِداءُ برَسولِ اللهِ في المَبيتِ إلى أنْ يُصبِحَ ثم يَقفَ حتى يُسفِرَ، ولا بَأسَ بتَقديمِ الضَّعَفةِ والنِّساءِ، وممَّن كان يُقدِّمُ ضَعَفةَ أهلِه: عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ وعائشةُ، وبه قال عَطاءٌ والثَّوريُّ والشافِعيُّ وأبو ثَورٍ وأصحابُ الرَّأيِ، ولا نَعلمُ فيه مُخالِفًا، ولأنَّ فيه رِفقًا بهم ودَفعًا لمَشقَّةِ الزِّحامِ عنهم واقتِداءً بفِعلِ نَبيِّهم (١).

وقال الإمامُ النَّوويُّ : السُّنةُ عندَنا أنْ يَبقَى بمُزدَلفةَ حتى يَطلُعَ الفَجرُ إلا الضَّعَفةَ، فيُستحبُّ لهم الدَّفعُ قبلَ الفجرِ، فإنْ دفَع غيرُ الضَّعَفةِ قبلَ الفجرِ بعدَ نصفِ اللَّيلِ جازَ ولا دَمَ، هذا مَذهبُنا وبه قال مالكٌ وأحمدُ.

وقال أبو حَنيفةَ: لا يَجوزُ الدَّفعُ قبلَ طُلوعِ الفجرِ، فإنْ دفَع قبلَ الفجرِ لزِمه دَمٌ (٢).

القولُ الثالِثُ: ذهَب الحَنفيةُ إلى أنَّ وقتَه وزَمانَه بينَ طُلوعِ الفجرِ يومَ النَّحرِ وطُلوعِ الشَّمسِ، فمَن حصَّل بمُزدَلفةَ في هذا الوقتِ فقد أدرَك الوُقوفَ، سَواءٌ باتَ بها أو لا، ومَن لم يُحصِّلْ بها فيه فقد فاتَه الوُقوفُ


(١) «المغني» (٥/ ٣٣، ٣٤)
(٢) «المجموع» (٨/ ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>