للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ج - النِّيةُ: ذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ إلى أنَّه لا يَجبُ تَعيُّنُ النِّيةِ في طَوافِ الإفاضةِ؛ لأنَّ نيَّةَ الحَجِّ تَشملُ أفعالَ الحَجِّ كلَّها، كما أنَّ نيَّةَ الصَّلاةِ تَشملُ جميعَ أفعالِها، ولا يُحتاجُ إلى النِّيةِ في رُكوعٍ ولا غيرِه، ولأنَّه لو وقَف بعَرفةَ ناسيًا أجزَأه بالإجماعِ.

قال الكاسانيُّ : فأمَّا تَعيينُ النِّيةِ حالَ وُجودِه في وقتِه فلا حاجةَ إليه حتى لو نفَر في النَّفرِ الأولِ فطافَ، وهو لا يُعيِّنُ طَوافًا يَقعُ عن طَوافِ الزِّيارةِ، لا عن الصَّدرِ -أيِ: الوَداعِ-؛ لأنَّ أيامَ النَّحرِ مُتعيِّنةٌ لطَوافِ الزِّيارةِ فلا حاجةَ إلى تَعيينِ النِّيةِ، كما لو صامَ رَمضانَ بمُطلَقِ النِّيةِ أنَّه يَقعُ عن رَمضانَ لكَونِ الوقتِ مُتعيِّنًا لصَومِه، كذا هذا.

وكذا لو نَوى تطوُّعًا يَقعُ عن طَوافِ الزِّيارةِ، كما لو صامَ رَمضانَ بنيَّةِ التطوُّعِ، وكذلك كلُّ طَوافٍ واجبٍ، أو سُنَّةٍ يَقعُ في وقتِه من طَوافِ اللِّقاءِ -القُدومِ- وطَوافِ الصَّدرِ -الوَداعِ-، فإنَّما يَقعُ عمَّا يَستحِقُّه الوقتُ، وهو الذي انعقَد عليه الإحرامُ دونَ غيرِه، سَواءٌ عيَّن ذلك بالنِّيةِ، أو لم يُعيِّنْ، فيَقعُ عن الأولِ، ولو نَوى الثاني لا يَعملُ بنيَّتِه في تَقديمِه على الأولِ، حتى إنَّ المُحرِمَ إذا قدِم مكةَ، وطافَ لا يُعيِّنُ شيئًا، أو نَوى التطوُّعَ، فإنْ كان مُحرِمًا بعُمرةٍ يَقعُ طَوافُه للعُمرةِ، وإنْ كان مُحرِمًا بحَجةٍ يَقعُ طَوافُه للقُدومِ؛ لأنَّ عَقدَ الإحرامِ انعقَد عليه (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ٦١، ٦٢)، ويُنظر: «المدونة الكبرى» (١/ ٣١٧)، و «فتح القدير» (٣/ ٥٥، ٥٧)، و «المجموع» (٨/ ١٩، ٢٤)، و «مغني المحتاج» (١/ ٤٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>