للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّه عاجِزٌ عن المَشيِ، فهو كالبَعيدِ، وأمَّا الزادُ فلا بدَّ منه، فإنْ لم يَجد زادًا ولا قدِر على كَسبِه لم يَلزمْه الحَجُّ (١).

وقد وقَع الخِلافُ بينَ الفُقهاءِ في اشتِراطِ الزادِ وآلةِ الرُّكوبِ لوُجوبِ الحَجِّ، وكانوا يَركَبون الدَّوابَّ، لذلك عبَّروا بقولِهم: «الزادُ والراحِلةُ»، وهي الجَملُ المُعدُّ للرُّكوبِ؛ لأنَّه المَعروفُ في زَمانِهم، وهذا الخِلافُ في أمرَين:

الأمرُ الأولُ: خالَف المالِكيةُ جُمهورَ الفُقهاءِ في اشتِراطِ القُدرةِ على الراحِلةِ، وإنْ كانَت المَسافةُ بَعيدةً، قالوا: من استَطاعَ المَشيَ بلا مَشقَّةٍ عَظيمةٍ مع الأمنِ على النَّفسِ والمالِ، فليس وُجودُ الراحِلةِ من شَرطِ الوُجوبِ في حَقهِ؛ بل يَجبُ عليه الحَجُّ، فإنْ كان في الوُصولِ مَشقَّةٌ عَظيمةٌ لم يَجبْ عليه، والمَشقَّةُ العَظيمةُ هي الخارِجةُ عن المُعتادِ بالنِّسبةِ للشَّخصِ، وهي تَختلفُ باختَلافِ الناسِ والأزمِنةِ والأمكِنةِ.

قال الإمامُ القُرطبيُّ : وقال مالِكُ بنُ أنسٍ : إذا قدِر على المَشيِ ووجَد الزادَ فعليه فَرضُ الحَجِّ، وإنْ لم يَجدِ الراحِلةَ وقدِر على المَشيِ نُظِر؛ فإنْ كان مالكًا للزادِ وجَب عليه فَرضُ الحَجِّ، وإنْ لم يَكنْ مالكًا للزادِ ولكنَّه يَقدرُ على كَسبِ حاجَتِه منه في الطَّريقِ نُظِر أيضًا؛ فإنْ كان من أهلِ المُروءاتِ ممَّن لا يَكتسِبُ بنَفسِه لا يَجبُ عليه،


(١) «المغني» (٤/ ٣٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>