للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدَّارسُ لتَرجَمةِ الإمامِ يَقفُ على شيءٍ من أَسبابِ هذه الهَيبةِ وهذا القَبولِ، وقد أشَرْنا إلى شيءٍ من ذلك في غُضونِ التَّرجَمةِ، فمِن ذلك أنَّه كانَ كَثيرَ التَّعظيمِ لحَديثِ النَّبيِّ ، فإذا أَرادَ أن يُحدِّثَ اغتَسلَ، وتَطيَّبَ، وسرَّحَ لِحيتَه، وجلَسَ على منصَّةٍ، ولا يَزالُ يُبخرُ بالعودِ حتى يَفرغَ، ومَن أَعزَّ دِينَ الله أَعزَّه اللهُ، ومَن نصَرَ دِينَ اللهِ نصَرَه اللهُ، قالَ تعالَى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ [الحج: ٤٠]، ومِن ذلك قُوةُ حُجتِه في نَصرِ السُّنةِ، وشِدتُه على أَهلِ الأَهواءِ والبِدعةِ، ومن ذلك احتِااطُه في الرِّوايةِ؛ نُصرةً للشَّريعةِ، فلا يَروِي إلا عن ثِقةٍ، ولا يَروِي إلا عمَّن عُرفَ بالرِّوايةِ، وأنَّه من أَهلِ الحَديثِ، وهو الذي قالَ: لا يُؤخذُ العِلمُ عن أَربعةٍ: سَفيهٍ يُعلِنُ السَّفهَ، وإن كانَ أَروى الناسِ، وصاحبِ بِدعةٍ يَدعو إلى هَواه، ومَن يَكذِبُ في حَديثِ الناسِ، وإن كنتُ لا أَتَّهمُه في الحَديثِ، وصالحٍ عابدٍ فاضلٍ، إذا كانَ لا يَحفظُ ما يُحدِّثُ به (١).

قالَ ابنُ أَبي حَاتمٍ: كانَ مالِكٌ أولَ مَنْ انتَقى الرِّجالَ من الفُقهاءِ بالمَدينةِ، وأعرَضَ عمَّن ليسَ بثِقةٍ في الحَديثِ، ولم يَكنْ يَروِي إلا ما صحَّ، ولا يُحدِّثُ إلا عن ثِقةٍ، معَ الفقهِ والدِّينِ والفَضلِ والنُّسكِ (٢).

بقِيَ أنْ تَعرِفَ أنَّ أَصحَّ الأَسانيدِ: مالِكٌ عن نافعٍ عن ابنِ عُمرَ.


(١) «سير أعلام النبلاء» (٨/ ٦٨، ٦٧).
(٢) «الثقات» لابن أبي حاتم (٧/ ٤٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>