(٢) قال الإمامُ ابنُ حَزمٍ ﵀: ومَن مزَج نيَّةَ صَومِ فَرضٍ بفَرضٍ آخَرَ أو بتَطوُّعٍ أو زَكاةٍ أو حَجٍّ أو عُمرةٍ أو عِتقٍ لم يُجزِئْه لِشَيءٍ من كلِّ ذلك، وبطَل ذلك العَملُ كلُّه صَومًا كان أو صَلاةً أو زَكاةً أو حَجًّا أو عُمرةً أو عِتقًا إلا مزَج العُمرةَ بالحَجِّ لِمَنْ أحرَم ومعه الهَديُ فقط، فهو حُكمُه اللَّازِمُ له. بُرهانُ ذلك قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: ٥]، والإخلاصُ هو أنْ يُخلِصَ العَملَ المأمورَ به لِلوَجهِ الذي أمرَه اللهُ تَعالى به فيه فقط، وقال رَسولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ عَمِل عَملًا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ» فمَن مزَج عَملًا بآخَرَ فقد عَمِل عَملًا ليس عليه أمرُ اللهِ تَعالى ولا أمرُ رَسولِه ﷺ فهو باطِلٌ مَردودٌ وباللهِ تَعالى التَّوفيقُ. وهو قَولُ مالِكٍ والشافِعيِّ وأبي سُليمانَ وأصحابِهم. وقال أبو يُوسُفَ: مَنْ صَلَّى وهو مُسافِرٌ رَكعَتَيْن نَوى بهما الظُّهرَ والتَّطوُّعَ معًا أو صامَ يَومًا من قَضاءِ رَمضانَ يَنوي به قَضاءَ ما عليه والتَّطوُّعَ مَعًا أو أعطَى ما يَجِبُ عليه في زكاةِ مالِه ونَوى به الزَّكاةَ والتَّطوُّعَ معًا أو أحرَمَ بحَجَّةِ الإسلامِ ونَوى بها الفَريضةَ والتَّطوُّعَ معًا فإنَّ كلَّ ذلك يُجزِئُه من صَلاةِ الفَرضِ وصَومِ الفَرضِ وزَكاةِ الفَرضِ وحَجَّةِ الفَرضِ ويُبطِلُ التَّطوُّعَ في كلِّ ذلك. وقال مُحمدُ بنُ الحسنٌ: أمَّا الصَّلاةُ فتَبطُلُ ولا تُجزِئُه لا عن فَرضٍ ولا عن تَطوُّعٍ، وأمَّا الزَّكاةُ والصَّومُ فيَكونُ فِعلُه ذلك تَطوُّعًا فيهما جَميعًا ويَبطُلُ الفَرضُ، وأمَّا الحَجُّ فيُجزِئُه عن الفَرضِ ويُبطِلُ التَّطوُّعَ. فهل سُمِع بأسقَطَ من هذه الأقوالِ، وما نَدري ممَّن العَجبُ أممَّن أطلَق لِسانَه بمِثلِها في دِينِ اللهِ تَعالى، يَمحو ما يَشاءُ ويُثبِتُ بالإهذارِ ويَخُصُّ ما يَشاءُ ويُبطِلُ بالتَّخاليطِ أو ممَّن قلَّد قائِلَها وأفنَى عُمرَه في دَرسِها ونَصرِها مُتديِّنًا بها، ونَعوذُ باللهِ من الخِذلانِ ونَسألُه إدامةَ السَّلامةِ والعِصمةَ ونَحمَدُه على نِعَمِه بذلك عَلينا كَثيرًا. وقد رَوينا عن مُجاهِدٍ أنَّه قال فيمَن جعَل عليه صَومَ شَهرَيْن مُتتابِعَيْن إنْ شاءَ صامَ شَعبانَ ورَمضانَ وأجزأ عنه، يَعني من فَرضِه ونَذرِه، قال مُجاهِدٌ: ومَن كان عليه قَضاءُ رَمضانَ فصامَ تَطوُّعًا فهو قَضاؤُه وإنْ لم يُرِدْه. «المحلى» (٦/ ١٧٤).