للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخَصَّ هذا المَوضعَ بالاستِعاذةِ؛ لأنَّ للشياطينِ فيه تَسلُّطًا وقُدرةً على ابنِ آدمَ لم تَكنْ في غيرِه بسَببِ غَيبةِ الحَفظةِ عنه (١).

ومِن ذلك أيضًا ما رَواه التِّرمذيُّ وغيرُه عن عليِّ بنِ أبي طالِبٍ أنَّ رَسولَ اللهِ قالَ: «سَترُ ما بينَ أعيُنِ الجِنِّ وعَوراتِ بَني آدَمَ إذا دخَلَ أحدُهم الخَلاءَ أنْ يَقولَ: بِسمِ اللهِ» (٢).

أمَّا إذا خرَجَ منه فيَقولُ: «غُفرانَكَ»، وذلك لمَا رَوَت عائِشةُ أُمُّ المُؤمِنين قالَت: كانَ رَسولُ اللهِ إذا خرَجَ من الغائِطِ قالَ: «غُفرانَكَ» (٣).

أي: أسألُك غُفرانَك، أو اغفِرْ غُفرانَك، أي: الغُفرانَ اللَّائقَ بجَنابِك، أو الناشِئَ من فَضلِك بلا استِحقاقٍ مِنِّي له.

قالَ العَينيُّ: إنَّما يَستغفِرُ مِنْ تَركِه ذِكرَ اللهِ تَعالى مُدةَ مُكثِه في الخَلاءِ، ويَقربُ منه ما قيلِ: إنَّه لشُكرِ النِّعمةِ التي أنعَمَ عليه بها إذْ أطعَمَه وهضَّمَه فحَقَّ على ما خرَجَ سالِمًا ممَّا استَعاذَه منه أنْ يُؤديَ شُكرَ النِّعمةِ في إعاذتِه وإجابةِ سُؤالِه وأنْ يَستغفرَ اللهَ تَعالى خَوفًا من ألَّا يُؤديَ شُكرَ تلك النِّعمةِ (٤).


(١) «بلغة السالك» (١/ ٦٣).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه الترمذي (٤٢٦)، وابن ماجه (٢٩٧)، والطبراني في «الأوسط» (٣/ ٦٨)، والبزار (٤٨٤).
(٣) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٠)، والترمذي (٧)، وابن ماجه (٣٠٠)، وأحمد (٦/ ١٥٥)، وابن خزيمة في «صحيحه» (١/ ٤٨)، وابن حبان في «صحيحه» (٤/ ٢٩١).
(٤) «عمدة القاري» (٢/ ٢٧٢)، وانظر في هذا: «بلغة السالك» (١/ ٦٥)، و «الفتاوى الهندية» (١/ ٥٠)، و «حاشية الطحطاوي» (١/ ٣٦)، و «روضة الطالبين» (١/ ٢١٩)، و «المغني» (١/ ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>