(ولنا) حَديثُ أبي هُرَيرةَ أنَّ رَجُلًا قال: يا رَسولَ اللهِ، أفطَرتُ في رَمضانَ، فقال:«من غَيرِ مَرَضٍ ولا سَفَرٍ؟»، فقال: نَعَمْ، فقال:«أعتِقْ رَقبةً»، وإنَّما فَهِم رَسولُ اللهِ ﷺ من سُؤالِه الفِطرَ بما يُحوِجُه إليه كالمَرضِ والسَّفرِ، وذكَر أبو داودَ أنَّ الرَّجلَ قال: شَرِبتُ في رَمضانَ، وقال علِيٌّ ﵁:«إنَّما الكَفَّارةُ في الأكلِ والشُّربِ والجِماعِ»، ولأنَّ فِطرَه تَضمَّن هَتكَ حُرمةِ النَّصِّ فكان كالفِطرِ بالجِماعِ.
وبَيانُه أنَّ نَصَّ التَّحريمِ بالشَّهرِ يَتناوَلُ ما يَتناوَلُه نَصُّ الإباحةِ باللَّيالي وهَتكُ حُرمةِ النَّصِّ جِنايةٌ مُتكامِلةٌ ثم نَحنُ لا نُوجِبُ الكَفَّارةَ بالقياسِ، وإنَّما نُوجِبُها استِدلالًا بالنَّصِّ؛ لأنَّ السائِلَ ذكَر المُواقَعةَ وعَيَّنها ليس بجِنايةٍ، بل هو فِعلٌ في مَحلٍّ مَملوكٍ، وإنَّما الجِنايةُ الفِطريَّةُ، فتَبيَّن أنَّ المُوجِبَ لِلكَفَّارةِ فِطرٌ هو جِنايةٌ، ألَا تَرى أنَّ الكَفَّارةَ تُضافُ إلى الفِطرِ، والواجِباتِ تُضافُ إلى أسبابِها؟ والدَّليلُ عليه أنَّه لا تَجِبُ على الناسي لِانعدامِ الفِطرِ، والفِطرُ الذي هو جِنايةٌ مُتكامِلةٌ يَحصُلُ بالأكلِ كما يَحصُلُ بالجِماعِ، ولأنَّه آلةٌ له، وتَعلُّقُ الحُكمِ بالسَّببِ لا بالآلةِ، ثم إيجابُه في الأكلِ أوْلى؛ لأنَّ الكَفَّارةَ أُوجِبت زاجِرةً، ودُعاءُ الطَّبعِ في وَقتِ الصَّومِ إلى الأكلِ أكثَرُ منه إلى الجِماعِ، والصَّبرُ عنه أشَدُّ، فإيجابُ الكَفَّارةِ فيه أوْلى كما أنَّ حُرمةَ التَّأفيفِ تَقتَضي حُرمةَ الشَّتمِ بطَريقِ الأوْلى، ثم لِأجلِ العِبادةِ استَوى حُرمةُ الجِماعِ وحُرمةُ الأكلِ، بخِلافِ حالِ عَدمِ المِلكِ؛ فإنَّ حُرمةَ الجِماعِ أغلَظُ حتى تَزيدَ حُرمةُ الجِماعِ على حُرمةِ الأكلِ، وبخِلافِ الحَجِّ، فإنَّ حُرمةَ الجِماعِ فيه أقوى، حتى لا يَرتَفِعَ بالحَلقِ.