للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ ومالِكٌ في رِوايةٍ وهو قَولُ المُزنِيِّ من أَصحابِ الشافِعيةِ إلى أنَّ الاستِنجاءَ سُنةٌ مُؤكَّدةٌ وليسَ بواجِبٍ.

واحتَجُّوا على ذلك بما رَواه أبو داودَ أنَّ النَّبيَّ قالَ: «مَنْ استَجمَرَ فليُوتِرْ، مَنْ فعَلَ فقد أحسَنَ ومَن لا فلا حَرجَ» (١).

قالوا: فنَفيُ الحَرجِ عمَّن ترَكَ الاستِجمارَ دَلَّ على أنَّه ليسَ بواجِبٍ، ولأنَّها نَجاسةٌ قَليلةٌ، والنَّجاسةُ القَليلةُ مَعفوٌّ عنها، لكنْ إذا تَجاوَزت النَّجاسةُ مَخرجَها وكانَت أكثَرَ من مِقدارِ الدِّرهمِ وجَبَ غَسلُها.

ثم قالوا: لكنْ يُكرهُ له تَركُ الاستِنجاءِ لمُواظبةِ النَّبيِّ عليه (٢).

وقالَ القَرافِيُّ في «الذَّخيرة» بعدَ أنْ ذكَرَ أنَّ مَنْ ترَكَ الاستِنجاءَ وصلَّى بالنَّجاسةِ أعادَ الصَّلاةَ أبدًا إذا كانَ عالِمًا قادِرًا … قالَ: ولمالِكٍ في «العَتبية»: لا إعادةَ عليه -ثم ذكَرَ الحَديثَ المُتقدِّمَ-، قالَ: والوِترُ يَتناولُ المَرةَ الواحِدةَ، فإذا نَفاها لم يَبقَ شَيءٌ، ولأنَّه مَحلٌّ تَعمُّ به البَلوى فيُعفى عنه، فهذا يَقتَضي أنَّ عندَ مالِكٍ قَولًا بعَدمِ الوُجوبِ (٣).


(١) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه أبو داود (٣٥)، وابن ماجه (٣٣٧)، وغيرهما.
(٢) «أحكام القرآن» للجصاص (٣/ ٣٦٧)، و «بدائع الصنائع» (١/ ٧٦، ٧٧، ٨١)، و «شرح فتح القدير» (١/ ٢١٣)، و «رد المحتار» (١/ ٢٢٤)، و «البحر الرائق» (١/ ٢٥٣)، و «مختصر القدوري» (١/ ٢١)، و «الإفصاح» (١/ ٧١).
(٣) «الذخيرة» (١/ ٢١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>