للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القِسمُ الثاني: حُكمُ الماءِ المُختلِطِ بنَجسٍ ولم يَتغيرْ أحدُ أَوصافِه:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ الماءِ إذا خالَطَته نَجاسةٌ ولم يَتغيرْ أحَدُ أَوصافِه، لَونُه أو طَعمُه أو رائِحتُه، هل يَجوزُ التَّطهُّرُ به أو لا؟ على قَولَينِ:

القَولُ الأولُ: أنَّه طاهِرٌ سَواءٌ أكان كَثيرًا أم قَليلًا، وهذه رِوايةٌ عن الإمامِ مالِكٍ وإحدَى الرِوايَتينِ عن الإمامِ أحمدَ اختارَها طائِفةٌ من أَصحابِه ونصَرَها ابنُ عَقيلٍ واختارَها شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميةَ، وبه قالَ بعضُ الشافِعيةِ كابنِ المُنذرِ والغَزاليِّ والرُّويانِيِّ (١).

واستدَلُّوا على ذلك بما رَواه أبو سَعيدٍ الخُدريُّ أنَّ النَّبيَّ قيلَ له: أنتوَضَّأُ من بِئرِ بُضاعةَ؟ وهي بِئرٌ يُطرحُ فيها الحَيضُ ولَحمُ الكِلابِ والنَّتنُ؟ فقالَ رَسولُ اللهِ : «الماءُ طَهورٌ لا يُنجِّسُه شَيءٌ» (٢).

قالوا: وهذا اللَّفظُ عامٌّ في القَليلِ والكَثيرِ، وهو عامٌّ في جَميعِ النَّجاساتِ (٣).

قالَ الدُّسوقيُّ: إنَّ الماءَ اليَسيرَ -وهو ما كانَ قَدرَ آنيةِ الوُضوءِ أو الغُسلِ فما دونَهما- إذا حلَّت فيه نَجاسةٌ قَليلةٌ كالقَطرةِ ولم تُغيرْه؛ فإنَّه يُكرهُ استِعمالُه في رَفعِ حَدثٍ أو في حُكمِ خَبثٍ ومُتوقِّفٌ على طَهورٍ كالطَّهارةِ المَسنونةِ والمُستحبةِ.


(١) «بداية المجتهد» (١/ ٤٦)، و «مجموع الفتاوى» (٢١/ ٣٠، ٣٣)، و «المجموع» (٢/ ٧٣)، و «المغني» (١/ ٥٠)، و «كفاية الأخيار» ص (٥٦)، و «الإفصاح» (١/ ٣٧).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: سبَق تَخريجُه.
(٣) «مجموع الفتاوى» (٢١/ ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>