للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك لِيتروَّى حيثُ تَردَّدَ في استِحقاقِ الحاضِرينَ، ويَضمَنُ إنْ تلِفَ المالُ في مُدَّةِ التَّأخيرِ؛ لحُصولِ الإِمكانِ، وإنَّما أُخِّرَ لغَرضِ نَفسِه، فيَتقيَّدُ جَوازُه بشَرطِ سَلامةِ العاقِبةِ، ولو تَضرَّرَ الحاضِرُ بالجُوعِ حرُمَ التَّأخيرُ مُطلَقًا؛ إذْ دَفعُ ضَررِه فَرضٌ، فلا يَجوزُ تَركُه لحِيازةِ فَضيلةٍ (١).

واشترَطَ الحَنابِلةُ في جَوازِ التَّأخيرِ لِحاجةٍ أنْ يَكونَ شَيئًا يَسيرًا، فأمَّا إنْ كانَ كَثيرًا فلا يَجوزُ.

قال ابنُ قُدامةَ : فإنْ أخَّرَها لِيَدفَعها إلى مَنْ هو أحَقُّ بها من ذي قَرابةٍ أو ذي حاجةٍ شَديدةٍ، فإنْ كانَ شَيئًا يَسيرًا فلا بَأسَ، وإنْ كانَ كَثيرًا لم يَجزْ.


(١) «نهاية المحتاج» (٢/ ١٣٤)، وقال النووي في «المجموع» (٦/ ٤٦٨): ولو وُجِد من يُجوِّزُ الصَّرفَ إليه فأخَّر لِطَلبِ الأفضلِ بأنْ وجَد السُّلطانَ أو نائبَه فأخَّر ليُفرِّقَ بنَفسِه حيث جعلناه أفضَلَ، أو أخَّر لانتِظارِ قَريبٍ أو جارٍ أو مَنْ هو أحوَجُ، ففي جَوازِ التأخيرِ وَجهان مَشهورانِ أصَحُّهما: جَوازُه. فإنْ لم نُجوِّزِ التأخيرَ فأخَّر أثِمَ وضَمِن، وإنْ جَوَّزناه فتَلِف المالُ فهل يَضمَنُ؟ فيه وَجهانِ، أصَحُّهما: يَكونُ ضامِنًا لِوُجودِ التَّمكُّنِ. والآخَرُ: لا؛ لأنَّه مأذونٌ له في التأخيرِ، قال إمامُ الحَرمَيْن: لِلوَجهَيْن شَرطان أحَدُهما: أنْ يَظهَرَ استِحقاقُ الحاضرين، فإنْ تشكَّك في استِحقاقِهم فأخَّر لِيترَوَّى جازَ بلا خِلافٍ، والثاني: ألَّا يَستفحِلَ ضَررُ الحاضرين وفاقَتُهم، فإنْ تَضرَّروا بالجُوعِ ونَحوِه لم يَجُزِ التأخيرُ لِلقَريبِ وشِبهِه بلا خِلافٍ. قال الرافِعيُّ: في هذا الشَّرطِ الثاني نَظرٌ؛ لأنَّ إشباعَهم لا يَتعيَّن على هذا الشَّخصِ، ولا من هذا المالِ ولا من مالِ الزَّكاة، وهذا الذي قاله الرافِعيُّ باطِلٌ، والصَّوابُ ما ذكَره إمامُ الحَرمَيْن؛ لأنَّه -وإنْ لم يَتعيَّن هذا المالُ لِهؤلاء المُحتاجين- دَفعُ ضَرورتِهم فَرضُ كِفايةٍ، فلا يَجوزُ إهمالُه لانتِظارِ فَضيلةٍ لو لم يُعارِضْها شَيءٌ. اه.

<<  <  ج: ص:  >  >>