للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن طِيبِ النَّفسِ؛ إذ المالُ المُحتاجُ إليه حاجةً أصليَّةً لا يَكونُ صاحِبُه غَنيًّا عنه، ولا يَكونُ نِعمةً؛ إذ التَّنعُّمُ لا يَحصُلُ بالقَدرِ المُحتاجِ إليه حاجةً أصليَّةً؛ لأنَّه مِنْ ضَروراتِ حاجةِ البَقاءِ، وقِوامِ البَدنِ، فكانَ شُكرُه شُكرَ نِعمةِ البَدنِ، ولا يَحصُلُ الأداءُ عن طِيبِ نَفسٍ، فلا يَقعُ الأداءُ بالجِهةِ المَأمورِ بها لقَولِه : «أَدُّوا زَكاةَ أَموالِكم طَيِّبةً بها أَنفسُكم» (١) فلا تَقعُ زَكاةً؛ إذ حَقيقةُ الحاجةِ أمرٌ باطِنٌ لا يُوقَفُ عليه، فلا يُعرَفُ الفَضلُ على الحاجةِ، فيُقامُ دَليلُ الفَضلِ على الحاجةِ مَقامَه (٢).

وبِناءً على هذا الشَّرطِ قالوا: لا زَكاةَ في كُتبِ العِلمِ المُقتَناةِ لِأهلِها وغَيرِ أهلِها، ولو كانَت تُساوى نِصابًا، وكذا دارُ السُّكنى وأثاثُ المَنزِلِ، ودَوابُّ الرُّكوبِ ونَحوُ ذلك.

قالوا: لأنَّ المَشغولَ بالحاجةِ الأصليَّةِ كالمَعدومِ.

وقد فسَّرَ ابنُ مالِكٍ من الحَنفيةِ الحاجةَ الأصليَّةَ تَفسيرًا دَقيقًا، فقالَ: هي ما يَدفَعُ الهَلاكَ عن الإِنسانِ تَحقيقًا كالنَّفَقةِ ودُورِ السُّكنى وآلاتِ الحَربِ والثِّيابِ المُحتاجِ إليها لِدَفعِ الحَرِّ والبَردِ. أو تَقديرًا كالدَّينِ، فإنَّ المَدينَ يَحتاجُ إلى قَضائِه بما في يَدِه من النِّصابِ ليَدفعَ عن نَفسِه الحَبسَ الذي هو الهَلاكُ، وكآلاتِ الحِرفةِ وأثاثِ المَنزلِ ودَوابِّ الرُّكوبِ وكُتبِ العِلمِ لِأهلِها، فإنَّ الجَهلَ عندَهم كالهَلاكِ.


(١) حَديثٌ صَحيحٌ: أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (٥/ ٢٦٢)، والطبراني في «الكبير» (٨/ ١١٥)، وابن أبي عاصم في «السنة» (٢/ ٥٠٥) حديث (١٠٦١) من حديث أبي أمامة.
(٢) «بدائع الصنائع» (٢/ ٤٠٢، ٤٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>