قالَ الكاسانِيُّ: نصَّ الكَرخيُّ على الوُجوبِ، فقالَ: وتَجبُ صَلاةُ العِيدِ على أهلِ الأَمصارِ، كما تَجبُ الجمُعةُ، وهكذا رَوى الحَسنُ عن أَبي حَنيفةَ أنه تَجبُ صَلاةُ العِيدِ على مَنْ تَجبُ عليه صَلاةُ الجمُعةِ.
وذُكرَ في الأصلِ ما يَدلُّ على الوُجوبِ، فإنَّه قالَ:«لا يُصلَّى التَّطوُّعُ بالجَماعةِ ما خلا قيامَ رَمضانَ وكُسوفَ الشَّمسِ»، وصَلاةُ العِيدِ تُؤدَّى جَماعةً، فلو كانَت سُنةً ولم تَكنْ واجِبةً لاستَثناها، كما استَثنى التَّراويحَ وصَلاةَ الكُسوفِ، وسمَّاها سُنةً في الجامِعِ الصَّغيرِ فإنَّه قالَ في العِيدَينِ -أي: العِيدِ والجُمعةِ- اجتَمَعا في يَومٍ واحدٍ، فالأوَّلُ سُنةٌ، والآخَرُ فَريضةٌ، وهذا اختِلافٌ مِنْ حيثُ العِبارةُ، فتَأويلُ ما ذكَرَه في الجامِعِ الصَّغيرِ أنَّها واجِبةٌ بالسُّنةِ أو هي سُنةٌ مُؤكَّدةٌ، وأنَّها في مَعنى الواجِبِ، على أنَّ إِطلاقَ اسمِ السُّنةِ لا يَنفي الوُجوبَ بعدَ قِيامِ الدَّليلِ على وُجوبِها، وذكَرَ أبو موسى الضَّريرُ في مُختصَرِه أنَّها فَرضُ كِفايةٍ، والصَّحيحُ أنَّها واجِبةٌ، وهذا قولُ أَصحابِنا.
لقولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: ٢]، قيلَ في التَّفسيرِ: صَلِّ صَلاةَ العِيدِ وانحَرِ الجَزُورَ، ومُطلَقُ الأمرِ للوُجوبِ، وقولُه تَعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٥]، قيلَ: المُرادُ منه صَلاةُ العِيدِ، ولأنَّها مِنْ شَعائرِ الإِسلامِ، فلو كانَت سُنةً فربَّما اجتَمعَ النَّاسُ على تَركِها، فيَفوتَ ما هو مِنْ شَعائرِ الإِسلامِ، فكانَت واجِبةً؛ صِيانةً لِما هو مِنْ شَعائرِ الإِسلامِ عن الفَوتِ (١).
(١) «بدائع الصنائع» (١/ ٢٧٤، ٢٧٥)، و «درر الحكام» (٢/ ١٤٤)، و «الاختيار» (١/ ١٠٥)، و «فتح القدير» (٢/ ٧١)، و «بُلغة السالك» (١/ ٣٤٣)، و «الإنصاف» (٢/ ٤٢٠).