إلا أنَّ الفُقهاءَ اختلَفوا فيما إذا اختَلفَت مِلتُهم، بأنْ يَرثَ النَّصرانِيُّ اليَهوديَّ ويَرثَ اليَهوديُّ النَّصرانِيَّ على قولَينِ:
القَولُ الأولُ: أنَّ الكُفرَ مِللٌ مُختلِفةٌ، فلا يَرثُ يَهوديٌّ نَصرانيًّا ولا يَرثُه النَّصرانِيُّ، وكذلك المَجوسيُّ لا يَرثُ نَصرانيًّا ولا يَهوديًّا ولا يَرِثانِه، وهو مَذهبُ المالِكيةِ وأَحمدَ في رِوايةٍ، وهو قَولُ الزُّهريِّ ورَبيعةَ والحَسنِ البَصريِّ وشَريكٍ القاضي وإِسحاقَ.
استدَلُّوا بقَولِه ﷺ:«لا يَتوارَثُ أهلُ مِلتَينِ شَتَّى»(١) وهُم أهلُ مِللٍ مُختلِفةٍ، بدَليلِ قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى﴾ [البقرة: ٦٢] وإنَّما يُعطَفُ الشَيءُ على غيرِه لا على بعضِه، فكما أنَّ عَطفَ اليَهودِ على المُسلِمينَ دَليلٌ على أنَّهم أهلُ مِلتَينِ، فكذلك عَطفُ النَّصارَى على اليَهودِ، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: ١٢٠] ومَعلومٌ أنَّ اليَهودَ لا تَرضى إلا بأنْ يَتَّبعَ اليَهوديةَ معهم، والنَّصارى كذلك، فعَرَفنا أنَّ لكلِّ واحِدٍ من الفَريقَينِ مِلةً على حِدةٍ، ولأنَّ النَّصارى يُقرُّون بنُبوةِ عيسى ﵇، والإِنجيلِ، ولأنَّ اليَهودَ يَجحَدونَ ذلك، فكانَ مِلةُ كلِّ واحِدٍ منهما غيرَ مِلةِ الآخَرِ كالمُسلِمينَ مع النَّصارى؛ فإنَّ المُسلِمينَ يُقرُّونَ برِسالةِ مُحمدٍ ﷺ وبالقُرآنِ، فكانَت مِلتُهم غيرَ مِلةِ النَّصارى.
(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: أَبو داود (٢١٩٩)، والترمذي (٢١٠٨)، وابن ماجه (٢٧٣١).