وأيضًا فقد قالَ المُنازِعونَ لنا: إنَّ ما يَنتقِلُ إلى بَيتِ المالِ عن مَيتٍ لا وارِثَ له يَنتقِلُ إِرثًا، فلو أسلَمَ رَجلٌ بعدَ انتِقالِ المالِ عن مَيتٍ إلى بَيتِ المالِ استحَقَّ جُزءًا منه كما لو كانَ مُسلمًا قبلَ الانتِقالِ، كذلك ههنا، وهذا من فِقهِ الصَّحابةِ ﵃ الذي عجَزَ عنه كَثيرٌ ممَّن بعدَهم؛ فإنَّهم أجْرَوْا حالةَ المَوتِ قبلَ القِسمةِ مَجرى ما قبلَ المَوتِ؛ فإنَّ التَّركةَ لم يَقَعْ عليها استِيلاءُ الوَرثةِ وحَوزُهم وتَصرفُهم، فكأنَّها في يَدِ المَيتِ حُكمًا، فهي ما بينَ المَوتِ والقِسمةِ، لها حالةٌ وَسطٌ، فأُلحِقَت بما قبلَ المَوتِ، وكانَ أَولى استِصحابًا لحالِ بَقائِها.
وأيضًا: فإنَّ التَّركةَ قبلَ القِسمةِ على مِلكِ المَيتِ، فلو زادَت ونَمَت وُفِّيَت دُيونُه من الزِّيادةِ، ولو نصَبَ مَناجِلَ وشَبكةً قبلَ المَوتِ فوقَعَ فيها صَيدٌ بعدَه وقبلَ القِسمةِ كانَ على مِلكِه، فتُوَفَّى منه دُيونُه وتُنفَذُ منه وَصاياه.
وأيضًا: فإنَّ تَوريثَ المُسلمِ قبلَ القِسمةِ ممَّا يُرغِّبُ في الإِسلامِ ويَزيدُ فيه ويَدعو إليه، فلو لم يَكنْ فيه إلا مُجردُ الاستِحسانِ لكانَ ذلك من مَحاسِنِ الشَّريعةِ وكَمالِها ألَّا يُحرَمَ وَلدُ رَجلٍ مِيراثَه بمانِعٍ قد زالَ فِعلُ المُقتَضي عَملَه؛ فإنَّ النَّسبَ هو مُقتضٍ للمِيراثِ، ولكنْ عاقَبَه الشارِعُ بالحِرمانِ على كُفرِه، فإذا أسلَمَ لم يَبقَ مَحلًّا للعُقوبةِ؛ بل صارَ بالثَّوابِ أَولى منه بالعِقابِ.
يُوضِّحُه أنَّ زَوالَ المانِعِ قبلَ القِسمةِ يَجعلُه في حُكمِ ما لم يَكنْ أَصلًا، فالتائِبُ من الذَّنبِ كمَن لا ذَنبَ له، والنازِعُ عن الكُفرِ كمَن لم يَكفُرْ، فلا