للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجهُ ما ذُكرَ في الأصلِ أنَّ مَعنى الرُّجوعِ عن الوَصيةِ هو فَسخُها وإِبطالُها، وفَسخُ العَقدِ كَلامٌ يَدلُّ على عَدمِ الرِّضا بالعَقدِ السابِقِ وبثُبوتِ حُكمِه، والجُحودُ في مَعناه؛ لأنَّ الجاحِدَ لتَصرُّفٍ من التَّصرفاتِ غيرُ راضٍ به وبثُبوتِ حُكمِه، فيَتحقَّقُ فيه مَعنى الفَسخِ فحصَلَ مَعنى الرُّجوعِ (١).

وأمَّا الشافِعيةُ في المُعتمَدِ ففرَّقوا بينَ أنْ يَكونَ الإِنكارُ لغَرضٍ مِثلَ الخَوفِ من ظالِمٍ وبينَ ألَّا يَكونَ لغَرضٍ.

فإنْ كانَ لغَرضٍ فليس برُجوعٍ عنها، وسَواءٌ كانَ الإِنكارُ جَوابًا لسُؤالٍ بأنْ سُئلَ عن الوَصيةِ فأنكَرَها، أو كانَ الإِنكارُ ليسَ جَوابًا لسُؤالٍ.

وأمَّا إنْ أنكَرَ الوَصيةَ لغيرِ غَرضٍ فهذا يَكونُ رُجوعًا عنها.

قالَ الخَطيبُ الشِّربينيُّ: ولو سُئلَ عن الوَصيةِ فأنكَرَها، قالَ الرافِعيُّ: فهو على ما مَرَّ في جَحدِ الوَكالةِ، أي: فيُفرَّقُ فيه بينَ أنْ يَكونَ لغَرضٍ فلا يَكونَ رُجوعًا، وبينَ ألَّا يَكونَ لغَرضٍ فيَكونَ رُجوعًا، وهذا هو المُعتمَدُ، ووقَعَ في أصلِ «الرَّوضة» هنا أنَّه رُجوعٌ، وفي «التَّدبير» أنَّه ليسَ برُجوعٍ، ويُمكنُ حَملُ ذلك على ما مَرَّ (٢).

وأمَّا المالِكيةُ فلم يَذكُروا جُحودَ الوَصيةِ في المَسائلِ التي ذكَروها أنَّه يَحصلُ بها الرُّجوعُ، فهم لا يَقولونَ بأنَّ إِنكارَ الوَصيةِ أو جُحودَها يُعتبَرُ رُجوعًا.


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٣٨٠، ٣٨١).
(٢) «مغني المحتاج» (٤/ ١١٨)، و «روضة الطالبين» (٤/ ٥٥٥)، و «إعانة الطالبين» (٣/ ٤٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>