للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا الحَنابِلةُ فقالَ منهم ابنُ قُدامةَ: وإنْ وَصَّى بحَبٍّ ثم طحَنَه أو بدَقيقٍ فعجَنَه أو بعَجينٍ فخبَزَه أو بخُبزٍ ففَتَّه أو جعَلَه فَتيتًا كانَ رُجوعًا؛ لأنَّه أَزالَ اسمَه وعرَّضَه للاستِعمالِ، فدَلَّ على رُجوعِه، وبهذا قالَ الشافِعيُّ، وإنْ وَصَّى بكَتانٍ أو قُطنٍ فغزَلَه أو بغَزلٍ فنسَجَه أو بثَوبٍ فقطَعَه أو بنَقرةٍ فضرَبَها أو شاةٍ فذبَحَها كانَ رُجوعًا، وبهذا قالَ أَصحابُ الرأيِ والشافِعيُّ في ظاهِرِ مَذهبِه، واختارَ أَبو الخَطابِ أنَّه ليسَ برُجوعٍ، وهو قَولُ أَبي ثَورٍ؛ لأنَّه لا يُزيلُ الاسمَ.

ولنا: أنَّه عرَّضَه للاستِعمالِ فكانَ رُجوعًا كالتي قَبلَها، ولا يَصحُّ قَولُه: إنَّه لا يُزيلُ الاسمَ؛ فإنَّ الثَّوبَ لا يُسمَّى غَزلًا والغَزلَ لا يُسمَّى كَتَّانًا.

فَصلٌ: وإنْ وَصَّى بشَيءٍ مُعيَّنٍ ثم خلَطَه بغيرِه على وَجهٍ لا يَتميَّزُ منه كانَ رُجوعًا؛ لأنَّه يَتعذَّرُ بذلك تَسليمُه فيَدلُّ على رُجوعِه، فإنْ خلَطَه بما يَتميَّزُ منه لم يَكنْ رُجوعًا؛ لأنَّه يُمكنُ تَسليمُه، وإنْ وَصَّى بقَفيزِ قَمحٍ من صُبرةٍ ثم خلَطَها بغيرِها لم يَكنْ رُجوعًا، سَواءٌ خلَطَها بمِثلِها أو بخَيرٍ منها أو دونَها؛ لأنَّه كانَ مَشاعًا وبَقيَ مَشاعًا.

وقيلَ: إنْ خلَطَه بخَيرٍ منه كانَ رُجوعًا؛ لأنَّه لا يُمكنُه تَسليمُ المُوصَى به إلا بتَسليمِ خَيرٍ منه، ولا يَجبُ على الوارِثِ تَسليمُ خَيرٍ منه فصارَ مُتعذَّرَ التَّسليمِ بخِلافِ ما إذا خلَطَه بمِثلِه أو بما دونَه (١).


(١) «المغني» (٦/ ٩٧، ٩٨)، و «الإنصاف» (٧/ ٢١٥)، و «كشاف القناع» (٤/ ٤٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>