للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطَلَت الوَصيةُ؛ لمَا رَواه الدارَقُطنيُّ مَرفوعًا: «ليس لقاتِلٍ وَصيةٌ» (١)، ولأنَّه استَعجَل ما أخَّرَه اللهُ ، فيُحرَمُ الوَصيةَ كما يُحرَمُ المِيراثَ؛ لأنَّ حِرمانَ القاتِلِ عن المِيراثِ بسَببِ مُغايَظةِ الوَرثةِ بمُقاسَمةِ قاتِلِ أَبيهم في تَركتِه، والمُوصَى له يُشارِكُه في هذا المَعنى، فجازَ القياسُ عليه، والمُشابَهةُ بينَ المَقيسِ والمَقيسِ عليه من كلِّ وَجهٍ غيرِ مُلتزَمٍ.

وقد رُويَ عن النَّبيِّ أنَّه قالَ: «ليس لقاتِلٍ شَيءٌ» (٢)، ذكَرَ الشَيءَ نَكرةً في مَحلِّ النَّفيِ، فتَعمُّ المِيراثَ والوَصيةَ جَميعًا، وبه تبيَّنَ أنَّ القاتِلَ مَخصوصٌ عن عُموماتِ الوَصيةِ؛ ولأنَّ الوَصيةَ أُختُ المِيراثِ ولا مِيراثَ للقاتِلِ والوَصيةُ بمَنزلةِ المِيراثِ، ولأنَّ الوَرثةَ تَتأذَّى بوَضعِ الوَصيةِ في القاتِلِ كما يَتأذَّى بعضُهم بوَضعِها في بعضٍ، فيُؤدِّي إلى قَطعِ الرَّحمِ وأنَّه حَرامٌ، ولأنَّ المَجروحَ إذا صارَ صاحِبَ فِراشٍ فقد تعلَّقَ حَقُّ الوَرثةِ بمالِه نَظرًا لهم؛ لئلَّا يُزيلَ المُورِّثُ مِلكَه إلى غيرِهم لعَداوةٍ أو أذًى لحِقَه من جِهتِهم فيَتضرَّرونَ بذلك، لكنْ مع بَقاءِ مِلكِ المُورثِ نَظرًا له لحاجَتِه إلى دَفعِ حَوائجِه الأَصليةِ، وسَببُ ثُبوتِ حَقِّهم في مَرضِ المَوتِ هو سَببُ ثُبوتِ مِلكِهم بعدَ المَوتِ وهو القَرابةُ، فكانَ يَنبَغي ألَّا يَملكَ التَّبرعَ بشَيءٍ


(١) رواه الدارقطني (٤٦٢٨)، وقال: مُبشرُ بن عُبيدٍ مَتروكُ الحَديثِ يَضعُ الأَحاديثَ، ورَواه البَيهقيُّ في «السنن الكبرى» (١٢٤٣٢)، وقال: تفَردَ به مُبشرُ بنُ عَبيدٍ الحِمصيُّ وهو مَنسوبٌ إلى وَضعِ الحَديثِ.
(٢) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه مالك في «الموطأ» (١٥٥٧)، وأَحمد (١٧٧٨١)، وأبو داود (٤٥٦٤)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٦٣٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>