وقالَ الحَنفيةُ: الوَصيةُ للفُقهاءِ لا تَجوزُ، ولو أَوصَى لفُقرائِهم تَجوزُ، وكذا لو أَوصَى لطَلبةِ العِلمِ لا تَجوزُ، ولو أَوصَى لفُقرائِهم تَجوزُ.
ولو أعطى الوَصيُّ واحِدًا من فُقراءِ طَلبةِ العِلمِ جازَ عندَ أَبي يُوسفَ وعندَ مُحمدٍ لا يَجوزُ، إلا إذا صرَفَ إلى اثنَينِ منهم فصاعِدًا.
وإذا أَوصَى لفُقراءِ الفُقهاءِ حُكيَ عن الفَقيهِ أَبي جَعفرٍ أنَّه قالَ: الفَقيهُ عندَنا مَنْ بلَغَ في الفِقهِ الغايةَ القُصوَى وليسَ المُتفقِّهُ بفَقيهٍ، وليسَ له من الوَصيةِ نَصيبٌ.
وإذا أَوصَى لأهلِ العِلمِ ببَلدةِ كذا فإنَّه يَدخلُ فيهم أهلُ الفِقهِ وأهلُ الحَديثِ، ولا يَدخلُ مَنْ يَتكلَّمُ بالحِكمةِ، وهل يَدخلُ فيهم المُتكلِّمونَ؟ لا ذِكرَ لهذه المَسألةِ نَصًّا في الكُتبِ، وعن أَبي القاسِمِ أنَّ كُتبَ الكَلامِ ليسَت كُتبَ العِلمِ، يَعني في العُرفِ، ولا يَسبقُ إلى الفَهمِ فلا يَدخلُ تحتَ مُطلَقِ الكُتبِ، وعلى قياسِ هذه المَسألةِ لا يَدخلُ في هذه الوَصيةِ المُتكلِّمونَ.
وإذا أَوصَى بثُلثِ مالِه لفُقراءِ طَلبةِ العِلمِ من أَصحابِ الحَديثِ الذين يَختلِفونَ إلى مَدرسةٍ مَنسوبةٍ إليهم في كَورةِ كذا لتَعلُّمِ الفِقهِ فهذه الوَصيةُ لا تُفيدُ شَيئًا لأَصحابِ الشافِعيِّ ﵀ تَعالى الذين يَختلِفونَ إلى مَدرسةٍ مَنسوبةٍ إليهم لتَعلُّمِ الفِقهِ إذا لم يَكونوا من جُملةِ أَصحابِ الحَديثِ، واسمُ أَصحابِ الحَديثِ لا يَتناولُ شَفعَويَّ المَذهبِ لا مَحالةَ، وإنَّما يَتناولُ مَنْ يَقرأُ الأَحاديثَ ويَسمعُها ويَكونُ في طَلبِ ذلك، سَواءٌ كانَ شَفعَويَّ المَذهبِ أو حَنفيَّ المَذهبِ أو غيرَ ذلك، ومَن كانَ شَفعَويَّ المَذهبِ إلا أنَّه