للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقاصٍ عن أَبيه قالَ: «مَرِضت بمَكةَ مَرضًا فأَشفَيتُ منه على المَوتِ، فأَتاني النَّبيُّ يَعودُني، فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ لي مالًا كَثيرًا وليسَ يَرِثُني إلا ابنَتي، أفأتصَدَّقُ بثُلثَي مالي؟ قالَ: لا. قالَ: قُلتُ: فالشَّطرُ؟ قالَ: لا. قُلتُ: الثُّلثُ؟ قالَ: الثُّلثُ كَبيرٌ، إنَّكَ إنْ تَرَكتَ وَلدَك أَغنياءَ خَيرٌ من أنْ تَترُكَهم عالةً يَتكفَّفونَ الناسَ» (١).

قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: وأمَّا حَديثُ ابنِ شِهابٍ فلم يَختلِفْ عنه أَصحابُه لا ابنَ عُيَينةَ ولا غيرُه أنَّه قالَ فيه: «أفأتصَدَّقُ بمالي كلِّه أو بثُلثَي مالي» ولم يَقُلْ: أفأُوصي، فإنْ صَحَّت هذه اللَّفظةُ: قَولُه: «أفأتصَدَّقُ» كانَ في ذلك حُجةٌ قاطِعةٌ لمَا ذهَبَ إليه جُمهورُ أهلِ العِلمِ في هِباتِ المَريضِ وصَدقاتِه وعِتقِه أنَّ ذلك من ثُلثِه لا من جَميعِ مالِه، وهو قَولُ مالِكٍ واللَّيثِ والأَوزاعيِّ والثَّوريِّ والشافِعيِّ وأَبي حَنيفةَ وأَصحابِه وأَحمدَ وعامَّةِ أهلِ الحَديثِ والرأيِ (٢).

واحتَجُّوًا أيضًا بما رَواه مُسلمٌ عن عمِرانَ بنِ حُصَينٍ «أنَّ رَجلًا أعتَقَ سِتةَ مَملوكينَ له عندَ مَوتِه لم يَكنْ له مالٌ غيرُهم، فدَعا بهم رَسولُ اللهِ فجَزَّأهم أَثلاثًا، ثم أقرَعَ بينَهم فأعتَقَ اثنَينِ وأرَقَّ أربَعةً وقالَ له قَولًا شَديدًا» (٣). فجعَلَ النَّبيُّ العِتاقُ في المَرضِ من الثُّلثِ،


(١) أخرجه البخاري (٦٣٥٢)، ومسلم (١٦٢٨).
(٢) «التمهيد» (٨/ ٣٧٧).
(٣) أخرجه مسلم (١٦٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>