فإنِ اختلَفوا مع المُوصَى له في القَدرِ الذي علِموه كانَ القَولُ فيه قَولَهم مع أَيمانِهم (١).
وقالَ الحَنابِلةُ في المَذهبِ: مَنْ أَجازَ من الوَرثةِ عَطيةً أو وَصيةً وكانَت جُزءًا مَشاعًا نِصفًا أو ثُلثَينِ ثم قالَ: «إنَّما أجَزتُ ذلك لأنَّني ظَنَنت المالَ المُخلَّفَ قَليلًا بأنْ كانَ سِتةَ آلافٍ فقالَ ظَننتُه ثَلاثةَ آلافٍ» فالقَولُ قَولُه؛ لأنَّه أعلَمُ بحالِه والظاهِرُ معه، فصُدِّق مع يَمينِه؛ لأنَّه يُحتمَلُ كَذبُه، وللمُجيزِ الرُّجوعُ فيما زادَ على ظَنِّه؛ لأنَّ ما هو في ظَنِّه قد أَجازَه فلا اعتِراضَ له فيه، فبَقيَ ما ليسَ في ظَنِّه فيَرجعُ به.
إلا أنْ يَكونَ المالُ المُخلَّفُ ظاهِرًا لا يَخفَى، فلا يُقبلُ قَولُ المُجيزِ أنَّه ظَنَّه قَليلًا؛ لأنَّه خِلافُ الظاهِرِ، أو تَقومُ بَيِّنةٌ على المُجيزِ بعِلمِه بقَدرِ المالِ، فلا يُقبلُ قَولُه ولا رُجوعَ له عَملًا بالبَيِّنةِ.
وفي وَجهٍ ليسَ له الرُّجوعُ ولا يُقبلُ قَولُه؛ لأنَّه أَجازَ عَقدًا له الخيارُ في فَسخِه فبطَلَ خيارُه كما لو أَجازَ البَيعَ مَنْ له الخيارُ في فَسخِه بعَيبٍ أو خيارٍ أو أقَرَّ بدَينٍ ثم قالَ:«غلِطتُ».
وإنْ كانَ المُجازُ من عَطيةٍ أو وَصيةٍ عَينًا كعَبدٍ أو فَرسٍ، أو كانَ مَبلغًا مَعلومًا كمِئةِ دِرهمٍ أو عَشرةِ دَنانيرَ يَزيدُ على الثُّلثِ وَصَّى به أو وهَبَه المَريضُ فأَجازَ الوارِثُ وقالَ بعدَ الإِجازةِ:«ظَنَنت المالَ كَثيرًا تَخرُجُ الوَصيةُ من ثُلثِه فبانَ المالُ قَليلًا أو ظهَرَ عليه دَينٌ لم أعلَمْه»، لم يُقبَلْ قَولُه، فلا رُجوعَ له كما لو وهَبَه؛ لأنَّه مُفرطٌ.