وقالَ القاضي عبدُ الوَهابِ: وإذا استَأذَنهم عندَ سَفرٍ فأذِنوا له ففيها رِوايتانِ:
إِحداهما: أنَّه لا يَلزمُ اعتِبارًا بالصِّحةِ، ولأنَّ تَصرفَه في هذه الحالِ من رأسِ المالِ.
والأُخرى: أنَّه يَلزمُ اعتِبارًا بالمَرضِ المَخوفِ؛ لأنَّها حالُ خَوفٍ وخَطرٍ، وهذا في السَّفرِ البَعيدِ الذي يُخافُ من مِثلِه (١).
وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا يَلزمُ الوَرثةَ ما أَجازوه في حَياةِ المُوصي ولا يَلزمُهم حتى يُجيزوا بعدَ مَوتِه، وسَواءٌ أَجازوا ذلك في مَرضِه أو صِحتِه إذا كانَ ذلك في حَياتِه؛ لأنَّه لمَّا كانَ للمُوصي إِبطالُ تلك الوَصيةِ في الحَياةِ مع كَونِه مالِكًا للمالِ فالوَرثةُ أحرى أنْ يَرجِعوا فيما أَجازوا، ولأنَّهم أَجازوا شَيئًا لم يَملِكوه في ذلك الوَقتِ، وإنَّما يَملكُ المالَ بعدَ وَفاتِه وقد يَموتُ الوارِثُ المُستأذِنُ قبلَه ولا يَكونُ وارِثًا، وقد يَرِثُه غيرُه، وقد أَجازَ من لا حَقَّ له فيه فلا يَلزمُه شَيءٌ منه.
ولأنَّهم ليسوا مالِكينَ للمالِ في حالِ الحَياةِ فلا تَعملُ إِجازتُهم فيه، كما لا تَجوزُ هِبتُهم ولا بَيعُهم، وإنْ حدَثَ المَوتُ بعدَه فالإِجازةُ أبعَدُ من ذلك، ولمَّا كانَ المُوصَى له إنَّما تَقعُ الوَصيةُ له بعدَ المَوتِ فكذلك الإِجازةُ،