للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَلزمُه، وقالَ في مَوضعٍ آخَرَ: إنْ قالَ: «مالي صَدقةٌ على فُقراءِ اليَهودِ» يَلزمُه يَتصدَّقُ عليهم بثُلثِ مالِه، وقد قالَ اللهُ ﷿: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨)[الإنسان: ٨] والأَسيرُ هو الكافِرُ، فإذا أَوصَى إليهم شَفقةً عليهم لفَقرِهم جازَ ذلك على كَراهةٍ؛ لأنَّ الأَجرَ في الصَّدقةِ على فُقراءِ المُسلِمينَ أحرى، والإِشفاقَ عليهم يَنبَغي أنْ يَكونَ أكثَرَ، وقد أَجازَ أشهَبُ الوَصيةَ للذِّميِّينَ كانوا ذَوي قَرابةٍ أو أجنَبيِّينَ إِجازةً مُطلقةً دونَ كَراهةٍ، ومَعنى ذلك في الأَجنبيِّينَ واللهُ أعلَمُ إذا كانَ لهم حَقٌّ من جِوارٍ أو من يَدٍ سَلفَت لهم إليه أو ما أشبَهَ ذلك، وأمَّا إنْ لم يَكنْ لذلك سَببٌ فالوَصيةُ مَحظورةٌ؛ إذْ لا يُوصي للكافِرِ من غيرِ سَببٍ ويَتركُ المُسلمَ إلا مُسلمُ سَوءٍ مَريضُ الإِيمانِ، قالَ اللهُ ﷿: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ … ﴾ إلى قوله: ﴿ … أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ [المجادلة: ٢٢] (١).

وذهَبَ الشافِعيةُ إلى صِحةِ الوَصيةِ لأهلِ الذِّمةِ دونَ أهلِ الحَربِ، فقالَ الخَطيبُ الشِّربينيُّ : وعُلمَ ممَّا تقرَّرَ أنَّه لا يُشتَرط في الوَصيةِ للذِّميِّ التَّعيينُ بخِلافِ الحَربيِّ والمُرتدِّ، فتَصحُّ لأهلِ الذِّمةِ دونَ أهلِ الحَربِ والرِّدةِ، فلا تَصحُّ لهما كما صرَّحَ به ابنُ سُراقةَ (٢).

وما يُفهمُ من كَلامِ القاضي عبدِ الوَهابِ المالِكيِّ أنَّه يَجوزُ الوَصيةُ لأهلِ الشِّركِ، قالَ : الوَصيةُ للمُشرِكينَ جائِزةٌ كانوا أهلَ حَربٍ أو ذِمةٍ،


(١) «البيان والتحصيل» (١٢/ ٤٧٧، ٤٧٨)، و «المختصر الفقهي» (١٦/ ١١٢، ١١٣).
(٢) «مغني المحتاج» (٤/ ٧١، ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>