الأمرُ الثالِثُ الذي تَضمَّنَه جَوابُه: جَوازُ التَّخصيصِ بقَصدِ المُتكلِّمِ وبالقَرائنِ، وهذا هو الواجِبُ في كَلامِ الواقِفينَ والمُوصينَ والمُقرِّينَ، كما هو أَصلُه في أَيمانِ الحالِفينَ (١).
وذهَبَ الإِمامُ مالِكٌ إلى كَراهةِ الوَصيةِ للذِّميِّ القَريبِ: لأنَّ الوَصيةَ للكافِرِ الذِّميِّ فيها أَجرٌ على كلِّ حالٍ، والكَراهةُ إنَّما لإِيثارِ الذِّميِّ على المُسلمِ لا بالوَصيةِ نَفسِها للذِّميِّ.
وأمَّا الوَصيةُ للأباعِدِ من الذِّميِّينَ فلا اختِلافَ في كَراهةِ ذلك في المَذهبِ.
قالَ أَبو الوَليدِ بنُ رُشدٍ القُرطُبيُّ ﵀: مَسألةٌ: قالَ ابنُ القاسِمِ: وكرِهَ مالِكٌ الوَصيةَ لليَهودِ والنَّصارى، قالَ سحنونٌ: قالَ ابنُ القاسِمِ: وكانَ قبلَ ذلك يُجيزُه، ولستُ أرَى به بَأسًا إذا كانَ ذلك على وَجهِ الصِّلةِ، مِثلَ أنْ يَكونَ أَبوه نَصرانيًّا أو يَهوديًّا أو أَخوه أو أُختُه فيَصِلَهم على وَجهِ صِلةِ الرَّحمِ، فلا أَرى به بَأسًا وأَراه حَسنًا، وأمَّا بغيرِ هذا فلا.
وفي رِوايةِ عيسى بنِ دِينارٍ: وسُئلَ ابنُ القاسِمِ عن هذا فقالَ: لا أَرى به بَأسًا لمِثلِ أُمِّه وأَبيه وإِخوتِه وما أشبَهَ ذلك من القَرابةِ، وأمَّا الأباعِدُ فلا يُعجبُني ذلك، ولْيَعطِفْ به على أهلِ الإِسلامِ.
قالَ مُحمدُ بنُ رُشدٍ: حَدُّ الكَراهةِ ما في تَركِه ثَوابٌ وليسَ في فِعلِه عِقابٌ، فمَعنى كَراهيةِ مالِكٍ الوَصيةَ لليَهودِ والنَّصارى هو أنْ يُؤثِرَهم