مَوتِه، لا أنَّه يَملكُه في الحالِ، والاستِخلافُ يَصلُحُ له الجَنينُ إِرثًا فكذا يَصلُحُ وَصيةً؛ لأنَّهما أُختانِ، ولأنَّ أكثَرَ ما في الحَملِ الغَررُ والجَهالةُ به، وذلك لا يُؤثِّرُ في الوَصيةِ.
قالَ ابنُ قُدامةَ: وأمَّا الوَصيةُ للحَملِ فصَحيحةٌ أيضًا، لا نَعلمُ فيه خِلافًا، وبذلك قالَ الثَّوريُّ والشافِعيُّ وإِسحاقُ وأبو ثَورٍ وأَصحابُ الرأيِ، وذلك لأنَّ الوَصيةَ جَرَت مَجرى المِيراثِ من حيثُ كَونُها انتِقالَ المالِ من الإِنسانِ بعدَ مَوتِه إلى المُوصَى له بغيرِ عِوضٍ كانتِقالِه إلى وارِثِه، وقد سَمَّى اللهُ تَعالى المِيراثَ وَصيةً بقَولِه ﷾: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١] وقالَ ﷾: ﴿فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٢] والحَملُ يَرثُ فتَصحُّ الوَصيةُ له، ولأنَّ الوَصيةَ أوسَعُ من المِيراثِ؛ فإنَّها تَصحُّ للمُخالِفِ في الدِّينِ وللعَبدِ، بخِلافِ المِيراثِ، فإذا ورِثَ الحَملُ فالوَصيةُ له أوْلى، ولأنَّ الوَصيةَ تَتعلَّقُ بخَطرٍ وغَررٍ فتَصحُّ للحَملِ كالعِتقِ (١).
وقد اشتَرطَ الفُقهاءُ لصِحةِ الوَصيةِ للحَملِ المَوجودِ أنْ يَنفصِلَ الحَملُ حَيًّا؛ فإنِ انفصَلَ الحَملُ مَيتًا بطَلَت الوَصيةُ؛ لأنَّه لا يَرثُ، ولأنَّه يَحتمِلُ ألَّا يَكونَ حَيًّا حينَ الوَصيةِ فلا تَثبتُ له الوَصيةُ والمِيراثُ بالشَّكِّ.