للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسُئلَ مُطرِّفٌ عن وَصيةِ السَّكرانِ إنْ أَوصَى، قالَ: إذا لم يَكنْ معه عَقلُه فكيف يَجوزُ؟ لا أرى وَصيتَه جائِزةً؛ لأنَّه كالمَجنونِ، ألَا تَرى لو أنَّ مَجنونًا لم يَكنْ معه عَقلُه أَوصَى فإنَّ وَصيتَه لا تَجوزُ؟ (١)

وذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ في المَذهبِ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ في وَجهٍ إلى صِحةِ وَصيةِ السَّكرانِ إذا أَوصَى حالَ سُكرِه، إلا أنَّه إذا رجَعَ عنها بعدَ إِفاقتِه فله الرُّجوعُ؛ لأنَّها غيرُ لازِمةٍ كما سيَأتي مُفصَّلًا.

قالَ ابنُ رُشدٍ : وأمَّا وَصيةُ السَّكرانِ بالعِتقِ وغيرِه فالصَّحيحُ على مَذهبِ مالِكٍ أنَّها جائِزةٌ على القَولِ الذي رجَعَ إليه سحنونٌ؛ لأنَّ حُكمَ وَصيتِه حُكمُ ما عقَدَه على نَفسِه من البَيعِ وغيرِه، ولا يُقالُ في شَيءٍ من ذلك على مَذهبِ مالِكٍ إنَّه غيرُ مُنعقدٍ عليه، وإنَّما يُقالُ فيه على مَذهبِه إنَّه غيرُ لازِمٍ له لو أرادَ الرُّجوعَ فيه إذا أفاقَ من سُكرِه، فإذا لم يَرجعْ في وَصيتِه حتى ماتَ وجَبَ أنْ تَنفُذَ كما تَنفُذُ وَصيةُ الصَّحيحِ من السُّكرِ (٢).

قالَ الخَطيبُ الشِّربينيُّ: وأمَّا السَّكرانُ المُتعدِّي بسُكرِه فإنَّه في رأيِ المُصنفِ غيرُ مُكلَّفٍ وتَصحُّ وَصيتُه، واستَثنَى الزَّركَشيُّ من المُغمَى عليه ما لو كانَ سَببُه سُكرًا عَصى به وكَلامُه مُنتظِمٌ فتَصحُّ وَصيتُه (٣).


(١) «البيان والتحصيل» (٧/ ٤٨٩).
(٢) «البيان والتحصيل» (٤/ ٤/ ٢٦٠)، و «شرح مختصر خليل» (٨/ ١٦٨)، و «الشرح الصغير مع حاشية الصاوي» (١٠/ ٤٩٥)، ويُنظَر: «المبسوط» (٧/ ١٨٤)، و «المغني» (٦/ ١٢٠)، و «الشرح الكبير» (٦/ ٤١٩، ٤٢٠)، و «الإنصاف» (٧/ ١٨٧).
(٣) «مغني المحتاج» (٤/ ٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>