للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِعلٍ شيءٍ مِنْ هذا ولا في تَركِه طاعةٌ للهِ تعالى، ولا قُربةٌ إليه ولا يَلزمُه فِعلُه ولا كَفارةَ عليه؛ لأنَّه قد أَباحَ فِعلَه وتَركَه فاستوى الأَمرانِ في الحُكمِ عندَه، ولمَا رواه البُخاريُّ عن عِكرِمةَ عن بنِ عبَّاسٍ قالَ: «بيْنَا النَّبيُّ يَخطبُ إذا هو برَجلٍ قَائمٍ فسأَلَ عنه فقالُوا: أَبو إِسرائيلَ نذَرَ أنْ يَقومَ ولا يَقعدَ، ولا يَستظلَّ، ولا يَتكلمَ، ويَصومَ، فقالَ النَّبيُّ : «مُرهُ فليَتكلمْ وليَستَظلَّ وليَقعدْ وليُتمَّ صَومَه» (١). فأخبَرَه بإِتمامِ العِبادةِ ونهاه عن فِعلِ المُباحِ ولمْ يَأمرْه بكَفارةٍ.

وعن حُميدٍ عن أَنسٍ قالَ نذَرَتِ امرَأةٌ أنْ تَمشيَ إلى بَيتِ اللهِ فسُئلَ نَبِيُّ اللهِ عن ذلك فقالَ: «إنَّ اللهَ لغَنيٌّ عن مَشيها مرُوها فلتَركَبْ» (٢).

وعن ثابتٍ البُنانيِّ عن أَنسِ بنِ مالكٍ: أنَّ رَسولَ اللهِ رَأى رَجلًا يُهادَى بينَ ابنيه فسأَلَ عنه، فقَالُوا: نذَرَ أنْ يَمشيَ. فقالَ: «إنَّ اللهَ لغَنيٌّ عن تَعذيبِ هذا نَفسَه وأمَرَه أنْ يَركبَ» (٣). ولمْ يَأمرْه بكَفارةٍ، ولأنَّه نَذرٌ غيرُ مُوجِبٍ لفِعلِ ما نذَرَه فلمْ يُوجِبْ كَفارةً كنَذرِ المُستحيلِ.

فإنْ جمَعَ بينَ مُباحٍ ومَندوبٍ لزِمَه الوَفاءُ بالمَشروعِ، وحُكمُه في المُباحِ كما لو انفَردَ، ولحَديثِ أبي إِسرائيلَ (٤).


(١) أخرجه البخاري (٦٣٢٦).
(٢) حَسَنٌ صَحِيحٌ: رواه الترمذي (١٥٣٦).
(٣) أخرجه البخاري (١٧٦٦)، ومسلم (١٦٤٢).
(٤) «بدائع الصنائع» (٥/ ٨٢)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٣٠)، و «أحكام القرآن» لابن العربي (١/ ٣٥٢)، و (٢/ ١٢)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ٩١)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٢/ ٤٥٧)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٤/ ٢٨٦)، و «الحاوي الكبير» (١٥/ ٤٦٧)، و «روضة الطالبين» (٢/ ٧٥٣)، و «النجم الوهاج» (١٠/ ١٠٢، ١٠٣)، و «مغني المحتاج» (٦/ ٢٥٨)، و «تحفة المحتاج» (١٢/ ٣١، ٣٢)، و «المغني» (١٠/ ٧٠)، و «الكافي» (٤/ ٤١٩)، و «كشاف القناع» (٦/ ٣٤٩)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٤٤٠)، و «منار السبيل» (٣/ ٤٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>