للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ أَحمدُ ثنا عَبدُ الرَّزاقِ أنبأَنا مَعمرٌ عن ابنِ طاووسٍ عن أَبيه قالَ: يَمينٌ يُكفِّرُها. وقالَ حَربٌ الكِرمانِيُّ: حدَّثَنا المُسيبُ بنُ واضحٍ ثنا يُوسفُ ابنُ أَبي السَّفرِ عن الأَوزاعيِّ عن عَطاءَ بنِ أَبي رَباحٍ: سألْتُ ابنَ عَباسٍ عن الرَّجلِ يَحلفُ بالمَشي إلى بَيتِ اللهِ الحَرامِ، قالَ: إنَّما المَشي على مَنْ نَواه، فأمَّا مَنْ حلِفَ في الغَضبِ فعليه كَفارةُ يَمينٍ.

وأيضًا فإنَّ الاعتِبارَ في الكَلامِ بمَعنى الكَلامِ لا بلَفظِه، وهذا الحالفُ ليسَ مَقصودُه قُربةُ للهِ، وإنَّما مَقصودُه الحَضُّ على فِعلٍ أو المَنعُ منه، وهذا مَعنى اليَمينُ فإنَّ الحالفَ يَقصدُ الحَضَّ على فِعلٍ أو المَنعَ منه، ثُم إذا علَّقَ ذلك الفِعلَ باللهِ تَعالى أجزأَتْه الكَفارةُ فلا تُجزِئُه إذا علَّقَ به وُجوبَ عِبادةٍ أو تَحريمَ مُباحٍ بطَريقِ الأَولى؛ لأنَّه إذا علَّقَه باللهِ ثُم حنِثَ كانَ مُوجِبُ حِنثِه أنَّه قد هتَكَ إِيمانَه باللهِ حيثُ لم يَفِ بعَهدِه، وإذا علَّقَ به وُجوبَ فِعلٍ أو تَحريمَه فإنَّما يَكونُ مُوجِبُ حِنثِه تَركُ واجبٍ أو فِعلُ مُحرَّمٍ، ومَعلومٌ أنَّ الحِنثَ الذي مُوجِبُه خَللٌ في التَّوحيدِ أَعظمُ مما مُوجِبُه مَعصيةٌ مِنْ المَعاصي، فإذا كانَ اللهُ قد شرَعَ الكَفارةَ لإِصلاحِ ما اقتضَى الحِنثَ في التَّوحيدِ فَسادَه ونحوَ ذلك وجبَرَه، فلأنْ يَشرعَ لإِصلاحِ ما اقتضى الحِنثَ فَسادَه في الطاعةِ أَولى وأَحرى.

وأيضًا فإنا نَقولُ إنَّ مُوجِبَ صِيغةِ القَسمِ مِثلُ مُوجِبِ صِيغةِ التَّعليقِ، والنَّذرُ نَوعٌ مِنْ اليَمينِ وكلُّ نَذرٍ فهو يَمينٌ، فقَولُ النَّاذرِ: «للهِ عليَّ أن أفعل» بمَنزلةِ قَولِه: «أَحلفُ باللهِ لأَفعلَنَّ» مُوجِبُ هذين القَولين التِزامُ الفِعلِ مُعلَّقًا باللهِ، والدَّليلُ على هذا قَولُ النَّبيِّ: «النَّذرُ حَلفٌ» فقَولُه: «إنْ فعَلْتُ كذا

<<  <  ج: ص:  >  >>