وقالَ الإمامُ ابنُ القَيمِ ﵀: وقالَ الجَوزجانِيُّ في مُترجمِه: حدَّثَني صَفوانُ ثَنا عُمرُ قالَ: سُئلَ الأَوزاعيُّ ﵀ عَنْ رَجلٍ حلَفَ: «واللهِ لأَفعَلنَّ كذا وكذا» ثمَّ سكَتَ ساعَةً لا يَتكلَّمُ ولا يُحدِّثُ نَفسَه بالاستِثناءِ، فيَقولُ لهُ إِنسانٌ إلَى جانِبه: «قُلْ: إنْ شاءَ اللهُ» فقالَ: «إنْ شاءَ اللهُ»، أَيُكفِّرُ عَنْ يَمينِه؟ فقالَ: أرَاهُ قدِ استَثنَى.
وبهذا الإِسنادِ عن الأَوزاعِيِّ أنَّه سُئلَ عَنْ رَجلٍ وصَلَه قَريبُه بدَراهمَ فقالَ: «واللهِ لا آخذُها» فقالَ قَريبُه: «واللهِ لَتأخُذنَّها»، فلمَّا سمِعَه قالَ: «واللهِ لتأْخُذنَّها» استَثنَى في نَفسِه فقالَ: «إنْ شاءَ اللهُ»، وليسَ بينَ قَولِه: «واللهِ لا آخُذُها» وبينَ قَولِه: «إنْ شاءَ اللهُ» كَلامٌ إلَّا انتِظارُه ما يَقولُ قَريبُه، أَيُكفِّرُ عَنْ يَمينِه إنْ هوَ أخَذَها؟ فقالَ: لَم يَحنَثْ؛ لأنَّه قدِ استَثنَى.
ولا رَيبَ أنَّ هذا أَفقهُ وأَصحُّ مِنْ قَولِ مَنْ اشتَرطَ نيَّتَه معَ الشُّروعِ في اليَمينِ، فإنَّ هذا القَولَ مُوافقٌ للسُّنةِ الصَّحيحةِ فِعلًا عن النَّبيِّ ﷺ، وحِكايةً عَنْ أَخيه سُليمانَ أنَّه لَو قالَ: «إنْ شاءَ اللهُ بعدَ ما حلَفَ وذكَّرَه الملَكُ كانَ نافِعًا له»، ومُوافقًا للقِياسِ ومَصالحِ العِبادِ، ومُقتَضى الحَنيفيَّةِ السَمحةِ، ولو اعتُبِرَ ما ذُكرَ مِنْ اشتِراطِ النِّيةِ في أوَّلِ الكِلامِ والاتِّصالِ الشَّديدِ لزالَت رُخصةُ الاستِثناءِ وقلَّ مَنْ انتَفعَ بها، إلَّا مَنْ قَدْ درَسَ عَلى هذَا القَولِ وجعَلَه منه على بالٍ.
وقَد ضَيَّقَ بعضُ المالِكيةِ في ذلك فقالَ: لا يَكونُ الاستِثناءُ نافِعًا إلَّا وقَد أرَادَه صاحِبُه قبلَ أنْ يُتمِّمَ اليَمينَ، كمَا قالَ بعضُ الشافِعيةِ وقالَ ابنُ الموَّازِ: شَرطُ نَفعِه أنْ يَكونَ مُقارِنًا ولَو لآخِرِ حَرفٍ مِنْ حُروفِ اليَمينِ، ولَم يَشتِرطْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute