للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ ابنُ القيمِ : ومِن الحِيلِ الباطِلةِ لو حلَفَ لا يَأكلُ هذا الرَّغيفَ، أو لا يَسكنُ في الدارِ هذه السَّنةَ، أو لا يَأكلُ هذا الطَّعامَ، قالوا: يَأكلُ الرَّغيفَ ويَدعُ منه لُقمةً واحدِةً، ويَسكنُ السَّنةَ كلَّها إلا يومًا واحدًا، ويَأكلُ الطَّعامَ كلَّه إلا القَدرَ اليَسيرَ منه ولو أنَّه لُقمةٌ.

وهذه حِيلةٌ باطِلةٌ بارِدةٌ، ومتى فعَلَ ذلك فقد أَتى بحَقيقةِ الحِنثِ، وفِعلُ نَفسِ ما حلَفَ عليه، وهذه الحِيلةُ لا تَتأتَّى على قولِ مَنْ يَقولُ: يَحنثُ بفِعلِ بعضِ المَحلوفِ عليه ولا على قولِ مَنْ يَقول لا يَحنثُ؛ لأنَّه لَم يَردْ مثلُ هذه الصُّورةِ قطعًا، وإنَّما أَرادَ به إذا أكَلَ لُقمةً مثلًا مِنْ الطَّعامِ الذي حلَفَ أنَّه لا يَأكلُه أو حبَّةً مِنْ القطفِ الذي حلَفَ على تَركِه، ولَم يَردْ أنَّه يَأكلُ القطفَ إلا حبةً واحِدةً منه، وعالمٌ لا يَقولُ هذا.

ثم يَلزمُ هذا المُتحيِّلُ أنْ يُجوِّزَ للمُكلَّفِ فِعلَ كلِّ ما نَهى الشارعُ عن جُملتِه فيَفعلُه إلا القَدرَ اليَسيرَ منه، فإنَّ البِرَّ والحِنثَ في الأَيمانِ نَظيرُ الطاعةِ والمَعصيةِ في الأَمرِ والنَّهيِ، ولذلك لا يبَرُّ إلا بفِعلِ المَحلوفِ عليه جَميعِه، لا بفِعلِ بعضِه، كما لا يَكونُ مُطيعًا إلا بفِعلِه جَميعَه، ويَحنثُ بفِعلِ بعضِه كما يَعصِي بفِعلِ بعضِه، فيَلزمُ هذا القائلَ أن يُجوزَ للمُحرِمِ في الإِحرامِ حَلقَ تِسعةِ أَعشارِ رأسِه، بل وتَسعةَ أَعشارِ العُشرِ الباقِي؛ لأنَّ اللهَ تَعالى إنَّما نَهاه عن حَلقِ رأسِه كلِّه، لا عن بعضِه، كما يُفتِي لمَن حلَفَ لا يَحلقُ رأسَه أنْ يَحلقَه إلا القَدرَ اليَسيرَ منه.

وتَأمَّلْ لو فعَلَ المَريضُ هذا فيما نَهاه الطَّبيبُ عن تَناولِه، هل يُعدُّ قابِلًا منه؟ أو لو فعَلَ مَملوكُ الرَّجلِ أو زَوجتِه أو وَلدِه ذلك فيما نَهاهم عنه، هل

<<  <  ج: ص:  >  >>